النبيّ (ص) من حيث أذى قومه ووعده بالنصر على قومه تأسّيا بمن مضى قبله من الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليهم أجمعين ، فإنهم كانوا مأمورين من الله تعالى أن يدعوا قومهم إلى الايمان به وترك ما ألفوه من ديدن آبائهم ودينهم من عبادة الأوثان والشرك بالله سبحانه ، وكانت هذه أسبابا داعية إلى العداوة والأذى فأمروا بالصبر ووعدوا بالنصر. فمعنى الكريمة كما جعلنا لك أعداء من قومك كذلك جعلنا لكل نبيّ عدوّا من المجرمين فصبروا على ما لقوه منهم حتى نصروا ، فكذلك لا بدّ لك من الصّبر حتى يأتيك النصر والظفر عليهم كما يشير إليه بقوله (وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً) أي هاديا إلى طريق الظفر أو إلى الاعتصام منهم ، ونصيرا لك عليهم.
* * *
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً (٣٢) وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (٣٣) الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً (٣٤))
٣٢ ـ (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً ...) أي دفعة واحدة كما أنزل بعض الكتب السّماويّة من التوراة والإنجيل والزّبور. فأجابهم الله تعالى بقوله : (كَذلِكَ) أي أنزلناه كذلك متفرّقا (لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ) لنقوّي بتفريقه قلبك على حفظه وفهمه إذ كنت أميّا بخلاف الأنبياء الثلاثة فنزلت عليهم كتبهم مكتوبة لأنهم كانوا يكتبون ويقرءون. وأيضا فإن في القرآن ناسخا ومنسوخا ، وفيه أجوبة للسّائلين ، ونزوله على حسب المواقع والموارد موجب لمزيد البصيرة والغوص في معناه ،