٤٥ و ٤٦ (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ ...) أي ألم تنظر إلى صنعه سبحانه كيف بسط ظلال الأشياء من الفجر إلى طلوع الشمس. قال الباقر عليهالسلام في هذه الآية الظل ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، قيل هو أطيب الأحوال وأعدل الأزمان حيث أن الظلمة الخالصة تنفّر الطبع منها وينقبض نور البصر ، وشعاع الشمس يسخّن الهواء ويكسف نور البصر ، ولذلك وصف به الجنّة فقال : وظلّ ممدود ، إذ لم يكن معه الشمس. قال أبو عبيدة : الظّل ما نسخته الشمس وهو بالغداة ، والفيء ما نسخ الشمس وهو بعد زوال الشمس. وسمّي فيئا لأنه فاء من جهة الشرق إلى جانب الغرب (وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً) اي ثابتا مقيما ، من السكنى ، يقال : فلان يسكن البلد الفلاني إذا أقام به دائما. وهو مثل قوله تعالى : (أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) في المعنى. والحاصل أنّه تعالى في بيان قدرته الكاملة يذكر تلك الآيات والدلائل حتى يتأمل العباد ويتدبّروا فيها فيتطرّقوا الى وحدانيّته ويذكروا بعض نعمه حتى يؤدّوا شكرها ثم قال سبحانه : (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً) قال ابن عباس تدل الشمس على الظلّ بمعنى أنّه لو لا الشمس لما عرف الظل ، ولو لا النور لما عرفت الظّلمة ، وكلّ الأشياء تعرف بأضدادها. وقيل لا يعرف وجوده ولا يتفاوت طوله وقصره إلّا بطلوعها وحركتها. وقيل معناها : خلقنا الظل أوّلا بما فيه من المنافع واللذائذ ثم اطلعنا الشمس فأذهبته فصارت دليلا على وجود هذه النعمة العظيمة الّتي غفلت عنها عقول أكثر العباد ، ولو لا وقوع الشمس على الأجرام لما عرف أن للظل وجودا وماهية ، والظل كيفية زائدة على الأجسام كانت مخفية على كثير من العقول. وقد ذهب إلى خلاف ما يظهر من الشريفة جماعة من الفلاسفة من أن الظل هو عدم الشمس وليس له وجود مستقل كما أن الظلمة هي عبارة عن عدم النور ، لا أنّها شيء في قبال النور (ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا) أي أزلنا الظل بإيقاع الشعاع موقعه .. ولمّا عبّر عن إحداثه بالمدّ أي البسط فيناسبه التعبير بالقبض بمعنى الطّي من طوى الفراش أي لفّه أو كناية عن