مطلق الجمع. والحاصل أن هذا التعبير في غاية الحسن والبلاغة (قَبْضاً يَسِيراً) قليلا قليلا لا دفعة واحدة بحسب ارتفاع الشمس لحفظ نظام الكون ولمصالح جمّة ، ويتحصّل به ما لا يحصى من منافع الخلق. وقيل مدّ ظل السّماء على الأرض حين خلقهما ولو شاء لجعله ثابتا على تلك الحال ، ثم خلق الشمس وجعلها دليلا مسلّطا عليه يتبعها كما يتبع السائر الدليل ، يتفاوت بحركتها ، ثم قبضه تدريجا إلى غاية نقصانه.
٤٧ ـ (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً ...) أي ساترا بظلامه كاللّباس ، والتّشبيه من جهة الستر. (وَالنَّوْمَ سُباتاً) راحة للأبدان بقطع الأعمال والسّبت هو القطع (وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً) فلمّا كان النوم بمنزلة الموت على ما يظهر من بعض الرّوايات من أن النوم أخ الموت ، فلذا عبّر بذلك ونسب النّشور إلى النهار. وهذا يعني أنه جعل النوم واليقظة كالموت والبعث ، والليل والنهار كناية عن النوم واليقظة وهما عن الموت والبعث. وفي الحديث النبويّ : كما تنامون تموتون وكما تستيقظون تبعثون. والمعنى أنّه تعالى أنعم على عباده بنعمة النهار وجعله ذا نشور ينتشر فيه الناس للمعاش وغيره من حوائجهم التي لا تحصل في غير النهار إلّا بتعب كثير.
٤٨ ـ (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ...) أي مبشّرات أو ناشرات للسّحاب على قراءة نشرا بالنون (بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) استعارة لطيفة أي أن الرياح مبشرات قدّام المطر (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً) السّماء لغة ما نشاهده فوقنا كقبّة زرقاء محيطة بالأرض ، وجاء بمعنى الفضاء المحيط بالأرض وبمعنى السّحاب وما هو المراد من تلك المعاني هو تعالى أعلم به. والطّهور هو المطهّر لقوله عزوجل ليطهّركم به ، أي ماء مزيلا للأحداث والأخباث. والطّهور اسم ما يتطّهر به كالوضوء والوقود اسمان لما يتوضأ به وما يوقد به ، كما قال عليهالسلام : التراب أحد الطّهورين ، أو طهور المسلم. وقال (ص): جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا. وطهورا مبالغة في التطهير وبناء على ذلك وصف الماء به ليعلم أن الطهارة