أُجاجٌ) شديد الملوحة بحيث تحسّ منه المرارة (وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً) حاجزا بقدرته الكاملة يفصل بينهما ويمنعهما من التمازج مع أنّهما متلاصقين ، ومقتضى كلّ عنصر مائع كالماء هو الاختلاط والامتزاج إذا كان متصلا ومتلاصقا كلّ واحد مع الآخر (وَحِجْراً مَحْجُوراً) أي حدّا محدودا ، عطف على (بَرْزَخاً) يعني جعلنا بين البحرين حدّا معيّنا وقرّرنا أن لا يختلط أحدهما بالآخر فيفسد طعمهما كما يشاهد في دجلة حين تدخل البحر فتشقّه فتجري في خلاله فراسخ لا يتغيّر طعمها ولا تغيّر طعم مجاورها وملاصقها مع أنه بحكم المائعيّة لا بدّ من الاختلاط كما قلنا آنفا. وقيل هذه كلمة يقولها المتعوّذ حين لقائه العدوّ ، وهي ها هنا على طريق المجاز كأنّ كلّ واحد من البحرين يتعوّذ من صاحبه ويقول له حجرا محجورا حتّى لا يفسد كلّ واحد الآخر بالامتزاج ، وهي من أحسن الاستعارات. والقميّ يقول : حراما محرّما أن يغيّر واحد منهما طعم الآخر ، كما يقال بهذا المعنى عند لقاء العدوّ في الأشهر الحرم أو مطلقا.
٥٤ ـ (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً ...) أي الماء الذي خمّر به طينة آدم عليهالسلام الذي هو العنصر ، أو المراد هو النطفة (فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً) أي قسمين : ذوي نسب ذكورا ، لأن نسبة النسب تتحقّق به كما يقال فلان ابن فلان وفلانة بنت فلان ، وذوات صهر إناثا يصاهر بهنّ فتوجد المصاهرة بهن. ومثلها قوله تعالى : (فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى.) وعن مولانا أمير المؤمنين مرويّ أنّ النّسب ما حرم النكاح به ، والصّهر ما حلّ النكاح به (وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً) على أيّ شيء أراد ، فانظر أيّها المتفكّر كيف خلق من مادّة واحدة بشرا ذا أعضاء مختلفة وطباع متباعدة ، وجعله قسمين متقابلين.
٥٥ ـ (وَيَعْبُدُونَ مِنْ ... وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً ...) أي معينا للشيطان على معصية الله لأنه يتابعه بكلّ ما يأمر به ، فإن عبادة الأصنام