الشريفة وأعماله الصّعبة التي تحمّلها في بعثته لإعلاء كلمة الله. وهذا الاستثناء لقطع شبهة الطمع ، وإظهارا لغاية الشفقة.
٥٨ ـ (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ ...) في دفع المضارّ وجلب المنافع فإنه الحقيق لأن يتوكّل عليه لا غيره حيث إنه الباقي وغيره الفاني ، والفاني إذا فني ضاع من توكلّ عليه. وهذه هي النكتة في إضافة التوكل على صفة الحياة الدائمة دون غيرها من الصفات والذّوات (وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ) أي نزّهه عن صفات النّقص حال كونه مقترنا بذكر أوصافه الكمال مثل أن تقول الحمد لله على نعمه وإحسانه ، الحمد لله عظيم المنزلة وما أشبه ذلك (وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً) أي كفى الله معرفة بذنوب عباده حال كونه عارفا بأحوالهم ومستغنيا في جزاء أعمالهم عمّن سواه من جهة المشاورة والمعاونة والمحاسبة. والحاصل أنه يستفاد من تعقيب هذه الشريفة بالأولى التي أمر فيها بالتسبيح المصاحب بالحمد الذي يدل بالملازمة على التصديق بوجود المنزّه وهو الله تعالى والإيمان به وتنزيهه عن الشرك ، أن بينهما مطابقة بدليل أن العبد إذا فرغ من أداء تلك الوظائف الثلاث ، فهو تعالى يتولّى أمره يوم الجزاء مباشرة بلا استعانة بغيره ، ذاك أن معنى الكفاية هو الاستغناء عن الغير عند القيام بأمر ما. أو إذا كان المتولّي لأمر العبد العامل بالوظيفة هو المولى الكريم والسيّد الحليم فمعاملته مع هذا العبد ليست إلا العفو عن السيئات والرفع في الدّرجات ، وهذا من أعظم نعم الله على هؤلاء العباد ، فلمثل هذا فليعمل العاملون. ثم إنه سبحانه أخذ في بيان قدرته الكاملة فقال :
٥٩ ـ (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ...) أي أوجدهما من العدم مع (ما بَيْنَهُما) من المخلوقين من الملائكة والكواكب نهاريّة وليليّة وغيرهما من الموجودات التي لا يعلمها إلّا هو (فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) فإن قيل إن الأيام عبارة عن حركات الشمس في فلكها أي السّماء فقبل السماء لا أيام؟ فالجواب : في مدة مقدارها هذه المدّة لو كانت. ولو قيل : لم قدّر الخلق والإيجاد بهذا