التقدير مع أنه قادر أن يخلقه في لحظة واحدة؟ فالجواب : أنه سبحانه هو العالم بالأصلح ولعلّ خلقته التدريجية ترمز إلى أن التأنّي والتّدريج مطلوب في الأمور وفيه صلاح العباد ، فلا بدّ لهم أن يجعلوه شعارا لهم ويعتادوا عليه تقليدا وتبعا لربّهم في إيجاد الأشياء مع كمال قدرته (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) أي استولى أمره عليه وهو أعظم المخلوقات ، وهو الجسم المحيط بالعالم ، شبّه بسرير الملك ولذا عبّر عنه بالعرش ، أو استولى على الملك (الرَّحْمنُ) خبر للذي المتقدّم في صدر الآية إذا جعل مبتدءا ، وإن جعل الذي صفة للحيّ فلمحذوف أو بدل من ضمير ، (اسْتَوى) ، (فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) أي عمّا ذكر من الخلق والاستواء فاسأل عارفا بهما وهو الله ، أو جبرائيل يخبرك به. وفي المجمع روي أن اليهود حكوا عن ابتداء خلق الدنيا خلاف ما أخبر الله تعالى عنه فقال سبحانه : (فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) ، والخبير هو من ذكرناه آنفا ، أو من وجده في الكتب المتقدمة السّماوية من الأحبار والرّهبان ، أو فاسأل عن الرّحمان من يخبرك من أهل الكتاب ليعرفوا أنه مذكور في كتبهم. والباء على جميع هذه التفاسير بمعنى (عن) سواء كان مرجع الضمير هو المذكور كما فسّر به البعض ، أو بابتداء الخلق ، أو بالرّحمن ، وانشد في قيام الباء مقام (عن) قول علقمة بن عبدة :
فإن تسألوني بالنساء فإنني |
|
خبير بأدواء النساء ، طبيب |
ترون ثراء المال حين وجدته |
|
وشرخ الثياب عندهنّ عجيب |
إذا شاب رأس المرء أو قلّ ماله |
|
فليس له في ودّهنّ نصيب |
فالباء في (بالنساء) بمعنى (عن) كما هو واضح.
٦٠ ـ (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ ...) أي قيل للمشركين لأنهم ما كانوا يطلقونه عليه تعالى (قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ) أيّ شيء وأيّ شخص هو ، فإنّهم ظنّوا أنه صلوات الله عليه أراد غيره تعالى. وقيل إنهم لقبّوا بهذا الاسم مسيلمة الكذّاب باليمامة. ولعلّهم ظنّوا أن الرسول صلوات الله عليه أراد هذا الشخص الذي باليمامة فسألوا عن المسمّى به وجهلوا