السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (١٨))
١٧ ـ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا ...) أي أن المؤمنين بك وبالرّسل من قبلك ، والذين هادوا : صاروا يهودا (وَالصَّابِئِينَ) الذين يصبأون وينتقلون من دين إلى دين آخر من ملل الكفر أو الذين يعبدون الكواكب (وَالْمَجُوسَ) الذين يعبدون النار (وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) هم عبدة الأصنام (إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ) يحكم في أمرهم ويفرّق بحكومته بإظهار المحقّ منهم والمبطل ويجزي كل واحد على عمله (يَوْمَ الْقِيامَةِ ، إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) فهو مراقب لهم في جميع أحوالهم وناظر إلى أفعالهم ومطلع على كل شيء وكل ما يصدر عن مخلوقاته.
١٨ ـ (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ ...) ألا تنظر إلى أن جميع مخلوقات الله في السماوات وفي الأرض تسجد له؟ والسجود يستعمل على قسمين : إمّا بمعنى الخضوع والتذلّل ، وإمّا بمعنى الانقياد لقدرته والخضوع لتدبيره والاستكانة لما سخّره الله له. وعلى هذا فكلّ الموجودات تشترك وتدخل في السجود له سبحانه ، وليس شيء إلّا يسجد له تعالى. بيانه أن كلّ ما سوى الله مفتقر ممكن لذاته ، والممكن لذاته كما أن الإمكان لازم له حال حدوثه ، فكذلك حال بقائه. وفي كلتا حالتيه هو مفتقر إلى الواجب لذاته. وهذا الافتقار الذاتي اللازم لماهية الممكن أدلّ على الذلّة والخضوع من وضع الجبهة على الأرض الذي نسمّيه نحن سجودا لأن وضع الجبهة على الأرض علامة وضعيّة للدّلالة على الذلّة والانقياد ، وقد يتطرّق إليه الكذب بخلاف الافتقاد الذاتي فيمتنع التغير وتطرّق الكذب إليه ، فجميع الممكنات من الدرّة