٣ ـ (لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ...) كلمة لعلّ هنا للإشفاق ، كأنّه قيل : أشفق على نفسك أن تقتلها. وأصل البخع إيصال السكّين إلى النخاع ، وهو عرق مستبطن في القفا. وهذا أقصى حدّ الذبح. ومعنى قوله سبحانه : (باخِعٌ نَفْسَكَ) أي قاتل ومهلك لها غمّا وحزنا (أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) من أجل أن لا يكونوا مؤمنين أي من أجل أن قومك لا يؤمنون. فاللام مقدّر ، أي لئلّا يؤمنوا ، أو لامتناع إيمانهم ، أو بتقدير مضاف : خيفة أن لا يؤمنوا.
٤ ـ (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً ...) أي علامة ملجئة إلى الإيمان أو إن نشأ إيمانهم ننزّل عليهم برهانا وحجة تلجئهم إلى الإيمان. (فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ) فصارت أعناقهم لها خاشعة منقادة أو فيظلّ رؤساؤهم ومقدّموهم أو جماعاتهم لها منقادين. وقد جاء أنّ العنق بمعنى الرئيس أو الجماعة.
٥ و ٦ ـ (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ ...) أي القرآن (مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ) بوحيه إلى نبيّه (ص) مجدّد تنزيله. والحاصل أنّه ما من آية أو سورة من القرآن إلّا كنّا ننزلها مجدّدا واحدة بعد واحدة (إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ) مصرّين على كفرهم وطغيانهم ولا يكتفون بالإعراض (فَقَدْ كَذَّبُوا) بالآيات القرآنية واستهزءوا بها (فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أي عمّا قريب يعلمون بأيّ شيء استهزؤا إذا مسّهم العذاب يوم القيامة ، أو في الدّنيا يوم بدر وإذا أذاقهم الله جزاء تكذيبهم وسخريّتهم تنكشف لهم حقيقة الأمور الموعودة فيعرفون صدقها فلا تنفعهم الندامة والحسرة حينئذ. ثم إنه تعالى على سبيل التذكير بنعمته يقول :
* * *
(أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ