تجرّأ عليه موسى. وقيل إن موسى وهارون كانا على باب قصره سنة كاملة ولا يتمكّنان من الدّخول عليه ، إلى أن دخل يوما على فرعون من خواصّه شخص فأخبره بأن رجلين قضيا سنة على باب الدار ويقولان إنا رسول ربّ العالمين إلى فرعون وقومه فأذن لهما في الدخول عليه ليمزح معهما ويسخر ويستهزئ بهما. فلمّا دخلا عليه تغيّر لونه إذ عرف فرعون موسى الذي قال : إنا رسول ربّ العالمين (أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ) خلّهم يذهبوا معنا إلى الشام ويتوطّنوا في فلسطين التي هي مسكن آبائهم. فقال فرعون لموسى بعد ما عرفه على سبيل الامتنان :
* * *
(قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (١٨) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (١٩) قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (٢٠) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢١) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ (٢٢))
١٨ و ١٩ ـ (قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا ...) أي أو ما يجيء ببالك حينما كنت (وَلِيداً) طفلا قريب العهد بالولادة ونحن ربّيناك في حجر العطف والرحمة والتبنّي (وَلَبِثْتَ) بقيت (فِينا) بيننا (مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ) أي مكثت وأقمت في بيتنا سنوات عديدة ـ قيل ثلاثين سنة وعلى رواية عن ابن عباس ثماني عشرة سنة كان موسى بينهم ويعيش معهم. وكان عمره اثنتا عشرة سنة حين قتل القبطي ، بعد مضيّ ثلاثين سنة توجّه إلى مدين وقيل بقي هناك عشرين سنة فرجع إلى مصر يدعوهم إلى طاعة ربّهم وطالت دعوته لهم ثلاثين سنة على ما في التفسير الكبير للقاشاني رحمهالله ، ولم ينفعهم