جبرائيل البحر ، فلم يتمالك فرعون من إمساك عنان الفرس وقد ذهب عنان الاختيار من يده فأدخله الفرس البحر فاتّبعه جنوده. فلما خرج موسى ومن معه من البحر ودخله فرعون وجميع جنوده غشيهم البحر فأغرقوا جميعا. وهذا معنى قوله عزّ من قائل : (وَأَنْجَيْنا مُوسى) ـ إلى قوله ـ (ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ).
٦٧ و ٦٨ ـ (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً ...) أي أيّة آية للاعتبار لكن أسفا وألف أسف لعدم المعتبر (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) هذا معنى علة عدم أيّية الآية لهم لأنهم غير مؤمنين على الأكثر. والآية آية لأهل الإيمان فإنّهم هم المتنبهون والمعتبرون بالآية والمعجزة. ولكن ما تنبّه لها أكثر بني إسرائيل إذ بعد ما نجوا سألوا بقرة يعبدونها لأنهم رأوا بعد خروجهم من البحر جماعة على ساحله كانوا يعبدون البقر ؛ هذا أولا ، وثانيا اتخذوا العجل ، وثالثا قالوا لن نؤمن حتى نرى الله جهرة ، فاعترفوا وأقرّوا بعدم إيمانهم بتلك الآية العظيمة من إغراق فرعون وقومه بتلك الكيفية المحيّرة لذوي الألباب. وفي الخبر عن القمي : فلما دخل فرعون وقومه كلهم البحر ، ودخل آخر رجل من أصحابه وخرج أصحاب موسى ، أمر الله عزوجل الرّياح فضربت البحر بعضه ببعض فأقبل الماء يقع عليهم مثل الجبال ، فقال فرعون عند ذلك آمنت أنه لا إله إلّا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين ، فأخذ جبرائيل كفا من حمأة فدسّها في فيه ثم قال : الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين؟ أي هو المنتقم من أعدائه والرّحيم بأوليائه. وهذه الكريمة تسلية لنبيّه صلواته عليه وآله ، أي يا محمد إن قومك وإن لم يؤمنوا بك مع ذلك التعب الشديد ، فليس هذا بأمر بديع وأول قارورة كسرت في الإسلام ، لأن قوم موسى مع تلك الآيات الباهرات لم يؤمنوا به ، وكذلك غيره من الرّسل. فلا تتأثّر كثير تأثر (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ) إلخ ... في الكافي عن الصّادق عليهالسلام قال : إن قوما ممن آمن بموسى قالوا : لو أتينا عسكر فرعون وكنا فيه ونلنا من دنياه ، فإذا كان الذي نرجوه من ظهور موسى صرنا إليه. ففعلوا ، فلما توجّه موسى ومن معه هاربين من فرعون ركبوا دوابّهم