أشرف من العمل. وقيل إن المراد بالحكم هو النبوّة. وردّ بأنه دعا ربّه بهذا حين ما كان نبيّا ، وتحصيل الحاصل محال. بل المراد كما قلنا كمال القوة العلميّة والنظريّة ، أي زدني علما إلى علمي. كما أن المراد بقوله (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) كمال القوة العملية ليتنظم به في عداد الكاملين في الصلاح. وفي هذا الدّعاء دلالة على عظم شأن الصلاح الذي هو عبارة عن الاستقامة فيما أمر الله تعالى عباده به ، أي كون القوّة العاقلة متوسّطة بين الإفراط والتفريط. فالصلاح لا يحصل إلّا بالاعتدال. ولما كان الاعتدال الحقيقي أمرا مشكلا لا يحصل إلّا للأوحديّ من الناس حيث لا ينفكّ البشر نوعا عن الخروج عن ذلك الجدّ ، لذا أظهر إبراهيم احتياجه واستمدّ من الله سبحانه تحصيل هذه القوة بهذا القول (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) أي بالموفقين لتحصيل تلك القوة العمليّة ، يعني الذين حصلت لهم القوة بكمالها وأعلى مراتبها. ومن هذا البيان ظهر لك معنى : حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين.
٨٤ ـ (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ...) أي الذين يعقبونني ويوجدون بعدي إلى يوم القيامة ، يعني اللهم اجعل لي جاها وحسن صيت على وجه الدهر وإلى الأبد. ولذلك فإنّه ما من أمّة إلّا وهم محبّون له مثنون عليه. وعن الصّادق عليهالسلام : لسان الصّدق للمرء يجعله في الناس خيرا له من المال يأكله ويورّثه. وقيل سأل ربه أن يجعل من ذرّيته في آخر الزمان من يكون يجدّد أصل دينه ويدعو الناس إلى الحقّ ، وهو محمد وعليّ والأئمة المعصومون عليهمالسلام.
٨٥ ـ (وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ ...) أي ممّن يعطاها في الآخرة ، وقد مضى معنى الوراثة في سورة (المؤمنون) وأن النبيّ صلىاللهعليهوآله قال : ما منكم من أحد إلّا وله منزلان منزل في الجنّة ومنزل في النار فإن مات ودخل النار ورث أهل الجنة منزله. ويستفاد من الرواية أن العكس بالعكس. وبهذا المعنى روايات كثيرة.
٨٦ ـ (وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ ...) بالهداية والإيمان لأنه كان من