السلام كان منهم (رَسُولٌ أَمِينٌ) مشهود له بالأمانة فيهم. قد قال لقومه : إنّي رسول لكم (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) في التوحيد والطاعة لله عزوجل (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) لا أطلب منكم على نصحي وتبليغ دعوتي وأداء رسالتي أجرا (إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) أي ليس جزائي وثوابي إلّا على خالق الخلائق. ثم كرّر عليهم قوله (ع) : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) للتأكيد ، وتنبيها على أن كل واحدة من الرسالات تكون توأمة مع الأمانة. وقطع طمعه في أموالهم سبب لوجوب إطاعته فيما يدعوهم إليه. فكيف إذا اجتمعا؟ فلا تكرار في الواقع لاختلاف المعنى وهذا كما تقول : ألا تخاف الله وقد ربّيتك صغيرا ، ألا تخاف الله وقد أتلفت لك مالي؟
* * *
(قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (١١١) قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١١٢) إِنْ حِسابُهُمْ إِلاَّ عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (١١٣) وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (١١٤) إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (١١٥))
١١١ ـ (قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ ...) الاستفهام إنكاري ، كي كيف نتّبعك والحال كذلك وقد اتّبعك (الْأَرْذَلُونَ) الفقراء على ما عن القمّي ، وهم الذين لا مال لهم ولا عزّ ، فجعلوا اتّباع هؤلاء لنوح مانعا عن إيمانهم. ويعنون بذلك أن أتباعه لم يؤمنوا به عن نظر وبصيرة وإنّما هو لتوقّع مال ورفعة مقام.
١١٢ ـ (قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ...) أي وأيّ علم لي أنهم آمنوا إخلاصا وعن بصيرة أو طمعا في طعمة أو مال يوجب رفعة مقامهم وأنا مأمور باتّباع الظواهر والاعتبار بها.