٧ ـ (إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ ...) أي اذكر يا محمّد قصّة موسى بن عمران حين قال لامرأته ، وهي بنت شعيب عليهالسلام ، حين ما أمر بدعوة فرعون فخرج مع أهله من عند شعيب متوجّهين إلى مصر فابتليت امرأته بالمخاض ، والقصّة قد ذكرناها قبلا فلا نعيدها (إِنِّي آنَسْتُ ناراً) أبصرت وأحسست نارا (سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ) أي خبر عن الطريق لأنهم ضلّوا ، والنار عادة تكون علامة على وجود ناس عندها يعرفون الأخبار كطلب الاهتداء إلى الطريق وغيره ممّا يعرض للمسافر التائه عن دربه كما أصابهم في ظلمة ذلك الليل البهيم. وقد خاطب أهله بالجمع مع أنه سبحانه كنّى عنهم بالأهل ، لأن الأهل تشمل العشيرة والجماعة فتتضمّن معنى الجمع ، ولذلك صحّ أن يخاطب أهله بضمير الجمع ، وهذا يقتضيه المقام ومقام النبوّة ذلك أن الأنبياء صلوات الله عليهم مهذّبو اللّسان متأدّبون بآداب الله ومتعلمون بتعليماته سبحانه ، ومأمورون بأن يعلّموا الناس ويربّوهم على تلك التعاليم الإلهية والتربية الربوبيّة عمليا لأن التعاليم العملية أهمّ وأولى من النظرية فقط كما في الرواية : كونوا دعاة إلى الله بغير ألسنتكم ، أي بأعمالكم ، والوجه واضح لا يحتاج إلى إقامة برهان عليه مزيدا على الرواية المذكورة. فالنتيجة أن المربّين بتربية الله تعالى عادتهم وديدنهم أن يدعوا الناس ويخاطبوهم بأحسن أسمائهم وبكيفيّة يحفظون فيها احتراماتهم ولو كان المخاطب من أهاليهم ولا سيّما إذا كانوا من أولاد الأنبياء ومن أهل بيت النبوّة والرسالة كما في المقام على ما أشرنا في صدر البيان. وفي رواياتنا أيضا الآمرة بأن تكلّم الناس وتدعوهم بما يحبّون من أسمائهم وكناهم لا بما يؤذيهم (أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ) أي بما يتضوّأ به من نار ذات شعلة ، وبعبارة أوجز : بشعلة مضيئة ، فإن القبس هو النار المقبوسة الملتهبة ، وقرئ بإضافة الشهاب وهي بيانيّة ، والقراءة المشهورة بغير الإضافة فالقبس بدل (لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) لكي تستدفئون بها. والحاصل أن موسى خلّى أهله وتوجّه نحو النار.