الدّالة على صفات الصّانع بعد الدلالة على ذاته ، والنهي عن العلوّ والترفّع الذي هو أمّ الرذائل ، والأمر بالإسلام الجامع لأمّهات الفضائل. وليس الأمر فيه بالانقياد له وإطاعته كما هو شأن الملوك وزعماء السياسة وأمرائهم. وأما قوله (أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَ) فهذا لأنهم كانوا كفرة ، وهو عليهالسلام كان نبيّا ورئيس المؤمنين والمسلمين والإسلام يعلو ولا يعلى عليه. فبهذا الاعتبار نهاهم عن الترفع عليه والاستكبار ، لا بما أنه ملك ذو قوة وحشم وخدم. فإن إلقاء الكتاب إليها وهي على تلك الحالة أي في قصرها على سرير الملك والعزّ بحيث لا يرقى إليها الطير بوسيلة ، وأمر سليمان هذا أقوى حجة وأعظم برهان على كونه نبيّا ورسولا ، فقوله عليهالسلام ولا تعلو عليّ بعد إقامة الحجة على رسالته (ع) ونبوّته وولايته عليهم كاشف عمّا ذكرنا ومن أقوى الشواهد على ما قلناه (وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) فما قال : وأتوني مطيعين لي أو نحو ذلك ولو كان لهذا اللفظ أيضا بناء على إثبات نبوّته تأويل لا ينافي ما قلناه.
* * *
(قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ (٣٢) قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ (٣٣) قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ (٣٤) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (٣٥))
٣٢ ـ (قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي ...) أي استشارت مشاوريها وطلبت منهم الفتيا في أمر إسلامهم وتسليمهم لسليمان وعدمه (ما كُنْتُ