كونكم ترون قبحها وشناعتها ، ولذلك ما أقدم عليها أحد من الأمم السابقة. فعلى هذا المعنى ، المراد من الإبصار هو الرؤية المعنوية أي الإدراك ، واقتراب القبائح ممن هو عالم به أقبح وأفحش وأعظم ذنوبا. وقيل هو من الإبصار بالعين لأنهم كانوا يعلنون بهذا العمل الفضيح ويفعلونه مواجها بعضهم للآخر ومعاينة ومقابلة لغيره الذي ربما كان هو أيضا مشغولا به. فالارتكاب بهذه الكيفية أفحش من ارتكابه خفاء والاستفهام إنكاري.
٥٥ ـ (أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ ...) الاستفهام إنكاري أيضا ، وهو في مقام التعجّب والكره (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) أي سفهاء أو تجهلون عاقبتها الوخيمة أو قبحها وشناعتها ، فأنتم حينئذ كالأنعام حيث إنّ إتيان الذّكران بدل النساء وشناعة هذا العمل كالشمس في رابعة النهار وليست وليست تخفى على من له أدنى دراية.
٥٦ ـ (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا ...) لما أفحموا عن الجواب ولم يكن لهم منطق في قبال البرهان أمر أمراء القوم وأكابرهم قائلين أخرجوا آل لوط ، فأمروا بتسفير لوط ومن آمن به (إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) أي يتبرّءون ويتنزّهون عن أعمالنا ويستنكرونها وهذا علّة للتّفسير. وهذا الجواب العملي ونحوه من الأمر بالقتل والحبس كاشف عن حقّانيّة الخصم وبطلان قول الجاحدين له حيث إن الحق مع البرهان وعدم البرهان مع الباطل.
٥٧ ـ (فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ ...) أي خلصناه قبل التسفير (إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ) حكمنا عليها كونها من الباقيين في العذاب فإنها كانت راضية بأعمال القوم وكانت نمّامة في بيت لوط عليهالسلام ثم أخبر سبحانه وتعالى نبيّه عن عذاب القوم فقال :
٥٨ ـ (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً ...) كان مطرا من الحجارة وكانت قطراته حجارة كانت مسوّمة أي مستوية صنعها عنده تعالى ، ومضى مثله سابقا.