التي تكون مادة للعيون والأنهار تجري من الجبال وتنحدر منها ، وغيرها من المنافع المودعة في الجبال لا يعلمها إلّا الله (وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ) العذب والمالح (حاجِزاً) أي برزخا لئلّا يختلطا فيفسدان بالاتّصال. وهذا من أعجب أعاجيب الدهر وخلاف الطبع والطبيعة وكمال القدرة. والحاجز بينهما شيء خفي لا نعلمه هنا إلّا بكلمة كن ، وإلّا فليس هو شيء تراه العيون وهو أعلم بما يكون. (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) الاستفهام للاستنكار ، أي لا يكون معه إله أبدا (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) الحق لعدم تدبّرهم وتفكّرهم فيشركون.
٦٢ ـ (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ ...) أي بل من يجيب المضطر خير ، والاضطرار هو الحالة المحوجة إلى الالتجاء ، والمضطر هو الذي أحوجه أمر أو نازلة من نوازل الدهر أو مرض أو فقر إلى التضرّع إلى الله لدفعه فإن قيل إن الآية قد عمّت المضطرين وكم من مضطرّ يدعو فلا يجاب له؟ فجوابه : أن المفرد المعرّف لا يفيد العموم وإنّما يفيد الماهية فقط ، والحكم المثبت للماهية يكفي في صدق ثبوته في فرد من أفراد الماهية على أنه تعالى وعد بالإجابة ولم يذكر أنه يستجيب في الحال (وَيَكْشِفُ السُّوءَ) فهذا كالتفسير للاستجابة والمعنى أنّه يزيل عن عباده ما يسوؤهم (وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ) بتوارثكم سكناها والتصرّف فيها قرنا بعد قرن (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) الذي متّعكم بهذه النّعم ، أفلا تتدبّرون فتعرفوا وليّ نعمكم التي تمتّعتم بها؟ أوليس شكر المنعم بواجب عقلا؟ وهل شرككم بالله هو شكركم له في مقابل إحسانه إليكم؟ (قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) أي تتذكّرون تذكرا قليلا ، و (ما) زائدة للمبالغة ، أي تتّعظون اتّعاظا قليلا ، أو المراد أن المتّعظ قليل. وفي القمّي عن الصادق عليهالسلام قال : نزلت في القائم من آل محمد صلّى الله عليه وعليهالسلام هو والله المضطرّ إذا صلّى في المقام ركعتين ودعا الله عزوجل فأجابه ويكشف السّوء ويجعله خليفة في الأرض.
٦٣ ـ (أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ ...) أمّا هدايته في البراري فبعلامات