وبعضهم يموت من شدة الفزع وإليها أشار بقوله (يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها) وأمّا الثانية فيموت كل من في السّماوات والأرض إلّا جبرائيل وميكائيل وإسرائيل وعزرائيل وحملة العرش وهؤلاء هم الذين استثناهم الله بقوله (إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) وهؤلاء أيضا يموتون بإذن ربّهم فإن الله تعالى يتوفّاهم بقوله (مُوتُوا) وفي الثالثة يحيي كلّ من في السّماوات ومن في الأرض جميعا (وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ) إشارة إلى هذه النفخة ، وداخرين : صاغرين ، يعني يأتون إلى الموقف أذلّاء منقادين بعد أن كانوا متكبّرين مطاعين متمرّدين عن إطاعة ربّ العالمين ومالك يوم الدّين.
٨٨ ـ (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً ...) أي ثابتة واقفة في مقرّها (وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) في السرعة ، والوجه في حسبانهم أنّها جامدة فلأنّ الأجرام الكبار إذا تحركت حركة سريعة على نهج واحد في السّمت والكيفية يظنّ الناظر إليها أنّها واقفة مع أنها تمرّ مرا حثيثا. وفي مثل هذا المعنى قول النابغة الجعدي يصف جيشا كثّابا.
بأرعن مثل الطّود تحسب أنهم |
|
وقوف لحاج والرّكاب تمهّج |
أي تحسب في مرأى العين أنّهم وقوف لكثرتهم فكذلك الجبال إنك لا ترى سيرها لبعد أطرافها وسرعة سيرها كما لا ترى السحاب إذّا انبسط في قطر بحيث لا ترى أطرافه إذا عمّ تمام الفضاء فهو في حين حركته يتخيّل الرائي أنه واقف مكانه لا يسير ولا يتحرك. وقد شاهدنا هذا المعنى في الطيّارة التي ركبناها وكنا فيها من باب الاتفاق والصدفة عند نافذة فيها فكنّا ننظر إلى خارجها من وراء الزجاجة التي كانت على الكوّة فتبدو لنا الطيارة واقفة لا تتحرّك قط مع علمنا بغاية سرعة سيرها. وفي أقل قليل من الأوقات كان جناحاها يتحرّكان بحركة يسيرة دقيقة (صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) من ذلك الصّنع فخلق النملة التي