في صغر جثتها ولطافة هيئتها لا تكاد تنال بلحظ البصر ولا بمستدرك الفكر ولو تأمّلت في مجاري أكلها وما في البطن من أمعائها وما في الرأس من عينيها لقضيت من خلقها عجبا ولقيت من وصفها تعبا وهي مع كل هذا تفكر في رزقها وتنقل الحبة إلى جحرها وتجمع في يوم رخائها لشدّتها وفي حرّها لبردها. وانظر إلى النّحل أيضا في دقة خلقته وجمال صنعه وعظم منفعته يأكل من أحسن ثمرة الأشجار وأزهار النّبات ، ويخرج لنا غذاء لذيذا وشرابا صافيا ودواء شافيا ، صنع الله العظيم جلّت قدرته .. والصنع مصدر مفعول لفعله المقدّر ، أي صنع الله تعالى ذلك صنعا وأتقن : أي أحكم صنع كلّ شيء (صَنْعَةَ) ؛ خلقه وسوّاه على ما ينبغي (إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ) عالم بظواهر الأفعال وبواطنها فيجازيكم بها وعليها. ثم أخبر سبحانه عن جزاء أعمال الفريقين فقال :
٨٩ و ٩٠ ـ (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها ...) يحتمل أن يكون كلمة (مَنْ) الجارّة نشئيّة أي نشأ وتولّد من عمله الحسن عمل خير له في الآخرة كالثواب والأمان من العقاب ، فخير هنا اسم وليس اسم تفضيل. وقيل معناه : فله أفضل منها في عظم النفع لأنه يعطي بالحسنة عشرا ، أو لأن فعل العبد يفنى والثواب فعل الله وهو يبقى ، فيكون أفضل بدرجات لا تحصى ، أو الثواب في كثير من الموارد هو رضوان الله وهو أكبر وأعظم (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) وقرئ بالإضافة. ومن المحتمل قويّا أن هذه الجملة مفسّرة للخير كما احتملناه أوّلا في المحتملات المزبورة آنفا (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) أي ألقوا في النار على وجوههم. ويحتمل أن يكون المراد هو الإلقاء منكوسا بأن يجعل أعلى الشيء أسفله وبالعكس ، فيلقونه بهذه الكيفيّة في النار على رؤوسهم. ولعلّ الأوجه هو التفسير الأوّل بظاهر اللفظ ، وعليه عبّر بالوجوه عن ذواتهم ويقال لهم (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) فيقال لهم : أن هذا جزاء أعمالكم التي فعلتموها وليس بظلم. وروى مسندا في المجمع عن أمير