بمعنى أوضح وأظهر ، وأما بناء على كونه من أبان بمعنى اتضح وظهر لأن أبان استعمل متعدّيا ولازما على ما هو المعروف في كثير من موارد باب الأفعال ، فالمبين معناه الواضح والظاهر والمتّضح. فعلى هذا فوصف الكتاب به في بادئ النظر مشكل ، لأن المراد بالواضح إن كان وضوحا بحسب الألفاظ فليس هذا له هذه الأهميّة حتى يكرر بهذا المقدار ويهتم به هذا الاهتمام فإن كثيرا من كتب أرباب الصّحف ورسائل أرباب المراسلات كان أوضح وأظهر من ظواهر ألفاظ القرآن بمراتب فليس هذا أمرا قابلا لأن يتصف كتاب الله به ، وإن كان لوضوح بحسب المعنى فالظاهر أنه ليس الأمر هكذا ، كيف وإن للقرآن بطونا لا يعرفها إلّا الله سبحانه ومن خوطب به ، هذا مع أن في القرآن آيات محكمات يمكن القول بوضوح معانيها إلى حدّ ظاهرا ، وأمّا آياته المتشابهة فليست معانيها ظاهرة بل هي بمقتضى الروايات لا بدّ من ردّ عملها إلى الله والرسول. وهذه أجوبة نقولها بعقولنا القاصرة وننسجها في تآليفنا وليست بأجوبة كافية شافية في كتاب إلهيّ أنزله الله من فوق سبع سماوات على نبيّه (ص) لهداية عامة البشر وليكون حجة على نبوّته وسلطانا على خصمائه ومعجزا باقيا لرسالته على دهر الدّهور. فهذا كتاب لا ترقى إليه أفكار ذوي الفكر ولا تناله عقول ذوي الألباب نحن إنّما نقول فيه من تفسيره عشرا من أعشار هذا البحر المتلاطم الزخّار من العلوم والمعارف وما نقوله ملتقطات من خزائن علمه تعالى ورشحات من فيوضاتهم عليهم الصلاة والسلام لا من عند أنفسنا وآرائنا. فالحق أن المبين في موارد توصيف الكتاب الكريم به معناه الموضح والمظهر بالبيان المتقدم من أبان بمعنى أوضح المتعدّي.
٣ ـ (نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى ...) أي نبيّن لك بأمرنا جبرائيل نقل بعض قصص موسى (بِالْحَقِ) بالصّدق وبالحقيقة (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) متعلّق ب (نَتْلُوا) أي لمن نعلم بأنهم يصدّقون ويعتقدون به فإنّهم الذين ينتفعون بالتلاوة حيث إنّهم أهل الفكر والتدبّر والاعتبار من القصص وأخبار السّلف.