له واقع الأمر خوفا من الكذب بأن لهما ولدا تريد أن تجعله فيه وتخفيه من فرعون. ومن المصادفات أن القبطيّ كان من أقارب فرعون وممّن اعتقد به ، فأعطاها الصّندوق وسار وراءها حتى يعرف بيتها فلما عرفه مشى إلى جواسيس فرعون ليعلمهم بالقضية ، فأمسك الله لسانه وجعل يشير بيده ، فضربوه وطردوه إذ لم يفهموا منه شيئا. فلمّا عاد الى دكانه انطلق لسانه ، فذهب مرة أخرى ليخبرهم فأخرسه الله تعالى فضربوه وطردوه حملا على السفاهة والجنون ، فعاد الى الدكان فردّ الله إليه لسانه ، فذهب مرّة ثالثة فأخذ الله بصره ولسانه فرجع إلى موضعه ودكانه بعد أن ضربه الجواسيس شديدا وطردوه فجعل بينه وبين الله عهدا إنّ ردّ عليه بصره ولسانه أن يتوب عن عمله فعلم الله منه الصّدق فردّ عليه بصره ولسانه فجاء إلى بيت أم موسى وقصّ عليها الأمر وآمن بموسى لأنه افتهم أن الأمر يدل على أن هذا هو المولود الذي وعد الكهنة بمجيئه ، وعلم أنه على الحق. وهذا الرجل هو الذي سمّي بحبيب النجار ، وهو المعروف بمؤمن آل فرعون ، ولعله كان أوّل من آمن بموسى لأنه آمن به وهو ابن ثلاثة أشهر على قول أو أقل ، وكان ثابتا في إيمانه وروي أنه كان لفرعون بنت ابتليت بالبرص ، وكان الكهنة أخبروها بأنه في يوم كذا من شهر كذا وسنة كذا يوجد حيوان في صورة إنسان صغير في النيل وزوال هذه العلّة يكون بريقه. وطابق اليوم يوم ما ألقت أمّ موسى الصّندوق في البحر والتقطه آل فرعون ، فلما أخرج موسى من التابوت ألهمت بنت فرعون أن هذا الصّبي هو الذي أخبر الكهنة به ، فعمدت إلى ريقه واستشفت به فدلكت أعضاءها به فبرئت من مرضها في الحال ، فألقيت محبّته في قلب فرعون وامرأته وجواريه وبالأخص في قلب البنت (إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ) قيل إنه من الخطأ لأنهم ما شعروا أنّه الذي يذهب بملكهم ويهلكهم إلى آخرهم.
٩ ـ (وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ ...) لمّا أراد فرعون قتله بعد أن حذّروه قالت آسية زوجته : لا تقتل