الإعجاز باللفظ القليل على المعاني الكثيرة كما لا يخفى على المتأمّل الفطن. وقد كرّر سبحانه هذا القول ، وهو عدم شعورهم بالأمور ، تنبيها على أنه لو كان فرعون آلها لكان يشعر بهذه الأمور فإذ لا يشعر لا يكون إلها.
١٢ و ١٣ ـ (وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ ...) أي منعناه من أن يرتضع منهنّ (مِنْ قَبْلُ) قبل مجيء أمّه إلى عنده وأخذه حتى لا تتربّى أعضاؤه بلبن أهل الكفر والشّرك. وقيل إنه ما شرب ثمانية أيام لبنا حتى اضطربت آسية وقومها من ذلك ، وكان يمتصّ من إصبعه اللبن الطاهر وهم لا يشعرون بذلك. ولمّا أحسّت أخت موسى أنّ آسية في غاية الاضطراب للمرضعة تقرّبت منها وقالت (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ) أي يقومون بتربيته وجميع أموره (وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ) لا يقصّرون في أموره لأجلكم وهم مشفقون عليه؟ وروي أنها لمّا قالت (لَهُ ناصِحُونَ) قال هامان وزير فرعون للملازمين : خذوها إنّها لتعرفه وتعرف أهله. قالت إنما أردت : وهم للملك ناصحون ، فأطلقوها وأكرموها وطلبوا منها المرضعة فمشت إلى أمّ موسى وذكرت لها صورة الحال فقامتا ومشتا حتى وردتا على آسية فأعطتها الولد ، وكان موسى لا يقبل ثدي أيّة مرضعة ، فلما وقع في حجر أمّه ونظر إليها تعلّق بها وأخذ يرتضع منها ، ففرح فرعون وآسية ومن يلوذ بهما لكثرة تعلّقهم بالصبيّ. فسأل فرعون عن أمّ موسى وعن علة قبول الرضيع لثديها ، فقالت أنا امرأة حسنة الخلق ولبني في غاية الحلاوة ، وما من طفل إلّا ويقبل ثديي ويشرب لبني. فأكرمها وعظّمها لجلالتها حيث وجد من كلامها وحركاتها أنها جليلة عفيفة عقيلة. وقد فعلنا ذلك (لِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) هي تعلم بأنّه حق وإلّا فالإنسان العاقل ما دام لا يعلم بأن وعد الله حق لا يلقي ولده في اليمّ ، ولكن كان علمها علم عقيدة أما بعد ردّ ولدها إليها ولا سيّما بعد وقوعه في المهلكة حصل لها علم مشاهدة وهو فوق علم العقيدة كما حقّق في محلّه.
* * *