١٩ ـ (فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ ...) أي أن يأخذ القبطيّ ويدفعه عن الإسرائيلي بقوّة وشدة ، خاف القبطيّ وصاح من خوفه على نفسه لما سمع من قوّة موسى وقتله للقبطي بوكزة واحدة وقال (يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ) وقد ذهب كثير من المفسّرين إلى أن القائل هو الإسرائيليّ حيث ظنّ أنه أراد أن يبطش به لوصفه إيّاه بالغواية ، ولكن الظاهر هو الأول ويؤيّده أنه عقّب قوله بأن قال (إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ) وهذا القول لا ينبغي ولا يليق أن يصدر إلّا عن كافر أو منافق ، والحال أن الاسرائيلي كان من المؤمنين بموسى ومن المصدّقين له في دعواه وبكلّ ما جاء به من عند ربّ العالمين. والجبّار هو الذي يفعل ما يريد من الضّرب والقتل وسائر أقسام الظلم ولا يريد أن يكون من المصلحين بين الناس. فانتشر حديث قتله القبطي حتى بلغ فرعون فأمر بطلبه وقتله.
* * *
(وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (٢٠) فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢١))
٢٠ ـ (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ ...) المراد من الرجل هو مؤمن آل فرعون ، واسمه حبيب النجار ابن عمّ فرعون ، وقد أشرنا إليه سابقا في قصّة صنع الصّندوق. وقيل كان خازن فرعون مؤمنا بموسى قد كتم إيمانه ستمائة سنة وهو الذي قال الله عزوجل فيه (وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ) والحاصل أنه جاء الرجل من آخر البلد ومنتهاه في غاية السّرعة حتى لحق به فأخبره (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ) ظاهر الآية