عليهالسلام حيث قال : (إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ) هكذا كان ديدنهم خلفا عن سلف صلوات الله عليهم أجمعين ، فإنّه تعالى أدّبهم هكذا بقوله تعالى : (جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا).
٢٣ ـ (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ ...) أي وصل إليه وهو بئر لهم (وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ) أي على شفيره ، جماعة من أهل القرية يسقون مواشيهم (وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ) في مكان أسفل من مكانهم رأى (امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ) أي تمنعان أغنامهما عن الماء فسألهما (ما خَطْبُكُما؟) أي : لم تمنعان الأغنام عن شرب الماء؟ (قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ) أي ينصرف ويخلص جميع الرّعاة من السقي. وهو جمع راع. وكان غرضهما أننا نحن لا نسقي أغنامنا حتى يتخلى الرجال عن الماء ويذهبوا من حوله فنسقي أغنامنا من فضالة ما يبقى في المغيض أو نستسقي بأنفسنا لأغنامنا (وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ) كثير السّن لا يستطيع أن يسقي فيرسلنا اضطرارا فرحمهما ورقّ قلبه لهما.
٢٤ ـ (فَسَقى لَهُما ...) اي فروّى غنمهما وأصدرهما رحمة بهما (ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِ) أي رجع إلى الشجرة التي كانت قريبة من البئر فجلس في ظلّها (فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) كان عليهالسلام شديد الجوع حيث إنه من يوم خرج من مصر إلى أن وصل مدين كان يأكل بقلة الأرض. ولقد كانت خضرة البقل ترى من شفيف صفاق بطنه لهزاله على ما في نهج البلاغة. وقال مولانا أمير المؤمنين فيها : والله ما سأل الله عزوجل إلّا خبزا يأكله. فالمراد بالخير في الكريمة هو ما يسدّ جوعه والتعبير بلفظ الماضي لأن عادة الله تعالى جرت على إنزال رزق كلّ ذي حياة ، فكأنّه عليهالسلام طلب منه تعالى إيصاله إليه ، وأما إنزاله فكان مسلّما عنده عليهالسلام. ثم إن بنتي شعيب رجعتا الى أبيهما في ذلك اليوم في وقت أقرب من الأيام الأخر فسألهما الوجه في ذلك ، فأخبرتاه القضيّة إلى آخرها. فقال لإحداهما : اذهبي إليه فادعيه لنجزيه أجر ما سقى لنا.