الأولى ، بدّلها. فدخل وخرج سبع مرّات ، فوقعت هي في يده من غير تعمّد والتفات. فعلم شعيب أنّه أهل لها ، فأعطاه إيّاها ولمّا علم شعيب أن موسى له شأن عظيم عنده تعالى ، وعرف حسن رعايته في أغنامه وبركته ويمنه في بيته وأغنامه ، أحبّ أن يحسن إليه فقال يا موسى كلّ ما يتولّد أبلق من أغنامي في هذه السنة فهو لك. فأوحى إليه تعالى في رؤياه يا موسى اضرب بعصاك الماء الذي تشرب منه الأغنام. ففعل ذلك ، فلم تلد الأغنام إلا أبلق ، فأعطاه الكل. والحاصل أن موسى لما توجّه إلى مصر مع امرأته ومواشيه في ليلة مظلمة باردة ، انحرف عن الطريق وضلّ ، وابتليت امرأته بوضع الحمل وتفرقت الماشية للأرياح الشديدة والبرودة الكثيرة فصار عليهالسلام متحيّرا في أمره إذ رأى نارا (قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً) أي توقفوا هنا فإني أبصرت نارا (سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ) أي بخبر عن الطّريق وكان قد ضلّ عنه (أَوْ جَذْوَةٍ) أي قطعة أو شعلة من النار (لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) تستدفئون بها.
٣٠ ـ (فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ ...) أي أتي النار ووصل إليها سمع موسى مناديا يناديه (مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ) أي من الجانب الأيمن لموسى أو للوادي (فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ) متعلق بنودي أي النداء ، كان فيها ، وهي البقعة التي قال فيها (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ) إلخ ... وإنّما كانت مباركة لأنها كانت مهبط الوحي والرّسالة ونزول الكتب السماويّة غالبا على حسب الظروف واقتضاء المصلحة (مِنَ الشَّجَرَةِ) بدل اشتمال من الشاطئ ، فانها كانت ثابتة على الشاطئ وإن الشجرة كانت محلا للكلام ومصدرا له (أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) هذه الجملة تفسير للنّداء وبيان له. وذكر (رَبُّ الْعالَمِينَ) فيه إشعار لرفع توهّم الحلول في محل حيث ان مالك الممكنات وخالقها منزّه ومبرأ من ان يحلّ في شيء ، لأنّه ليس عرضا ولا جسما ، والحالّ في الشيء لا بدّ من أن يكون واحدا منهما كما برهن في محلّه.