٣١ ـ (وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ ...) عطف على قوله : إنّي أنا الله. وإنّما أعاد سبحانه هذه القصّة وكرّرها في السور إثباتا للحجّة على أهل الكتاب واستمالة لهم إلى الحق ، ومن أحبّ شيئا أحبّ ذكره. والقوم كانوا يدّعون محبّة موسى ، وكلّ من ادّعى اتّباع سيّده مال إلى من ذكره بخبر وتبجيل وفضل. على أن كلّ موضع من موارد التكرار لا يخلو من مزيد فائدة (فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌ) أي بعد إلقائها رآها تتحرّك بكمال السّرعة كأنّها حيّة صغيرة مع عظم جثّتها وغاية كبرها ، ولذا خاف و (وَلَّى مُدْبِراً) أي منهزما على عقبه من الفزع والدهشة (وَلَمْ يُعَقِّبْ) لم يرجع إلى موضعه ، فنودي يا موسى (أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ) أي ارجع ولا تفزع (إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ) من كلّ مخوف حيث إنّك من المرسلين ، ولا يخاف لديّ المرسلون. فلمّا سمع هذا الخطاب اطمأنّ ورجع إلى قرب الشجرة وموضعه الأوّل. وفي المقام حذف وإضمار ، أي رجع وأمر بأخذ الحيّة ، فأخذها بكمال الجرأة واطمئنان القلب فصارت عصا كما كانت. وفي انقلاب العصا حيّة دلالة على أن البنية ليست بشرط في الإيجاد وأيضا دلالة على أنّ الأجسام والجواهر متماثلة ومن جنس واحد ، لأنّه لا حال أبعد من حال الحيوان عن الخشب. فلمّا صحّ قلب الخشب إلى الحيوان وصحّ العكس ، صحّ قلب الأسود إلى الأبيض وبالعكس. وكذلك كلّ ما يجري مجرى ذلك من الجمادات والحيوانات.
٣٢ ـ (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ ...) أي أدخلها فيه. والجيب من القميص طوقه ، ويطلق على ما يليه عند عامّة الناس من المشقوق (تَخْرُجْ بَيْضاءَ) ذات شعاع بحيث أضاءت لها الدّنيا (مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) أي مثل البرص أو أيّ عيب آخر (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ) الجناح ما بين أسفل العضد إلى الإبط ، وإذا أدخل الإنسان يده اليمنى تحت عضده اليسرى يصدق أنّه ضمّ جناحه إليه. والمعنى والله العالم : أدخل يدك اليمنى تحت عضدك اليسرى ، وكذلك العكس ، حتى يذهب بروعك وخوفك. أو