٣٦ ـ (فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً ...) أي مختلق كسائر أنواع السحر. والحاصل أن موسى لما أمر أن يمضي إلى فرعون وقومه وأخبره أن الغلبة لكما ولا يقدر فرعون أن يضرّكما ، رجع إلى امرأته على ما روي عن أبي جعفر في حديث طويل ، فقالت : من أين جئت؟ قال : من عند ربّ تلك النار. فغدا إلى فرعون ... إلى أن يقول عليهالسلام : فأتى على باب فرعون فقيل لفرعون إن على الباب فتى يزعم أنّه رسول ربّ العالمين ، فقال فرعون لصاحب الأسود : حلّ سلاسلها. وكان إذا غضب على رجل خلّاها ، فخلّاها. فقرع موسى الباب الأوّل وكانت تسعة أبواب فانفتحت له الأبواب التسعة ، فلما دخل جعلت الأسود يتبصبصن تحت رجليه كأنّهنّ جراء. فقال فرعون لجلسائه أرأيتم مثل هذا السّحر قط؟ فلما أقبل إليه موسى انتبه فرعون وعرف أنه موسى فقال : (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً) الآية إلى أن قال عزّ وعلا : (وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ) قد حال شعاعها بينه وبين وجه فرعون ، ثم ألقى العصا فإذا هي حيّة (ثُعْبانٌ) فالتقمت الإيوان بلحييها فدعاه : أن يا موسى أمهلني إلى غد ثم كان من أمره ما كان (ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ) أي ما سمعنا أنّ هذا الذي يقوله موسى يصدّق به آباؤنا ويقبلونه ممّن ادّعاه من المرسلين السابقين الذين كانوا مدّعين للرّسالة ، وليس المعنى أنّه ما سمعنا الدّعوة إلى توحيد الله في آبائنا. وكيف يتصوّر أن لم يسمعوا بهذا الأمر وقد اشتهر في تواريخهم؟ ولو لم يكن في كتبهم السماويّة إلّا قصص نوح وهود وصالح وإبراهيم وغيرهم من الأنبياء الذين يدعون البشر طرّا إلى التّوحيد وطاعة بارئهم وخالقهم لكفى .. والحاصل ما سمعنا عن آبائنا تصديقهم التوحيد لا أنهم ما كانوا يتكلّمون فيه أبدا.
٣٧ ـ (وَقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى ...) أي جاء بإراءة طريق الحق للناس (مِنْ عِنْدِهِ) بأمره فيصدّقوا بالمعجز وبالآيات الدالّة على حقّانيّة الدّعوى (وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) عاقبة الدّنيا المحمودة وهي