وتوفيقه فيريهم السّبل إليه ويعين من يستعدّ ويطلب ويجتهد فيه كما أشار إليه (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) والحاصل أن شمول هذه العناية واللطف يحتاج إلى الأهلية (وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) أي بمن له الأهلية والسعادة الذاتية للتشرف بشرف الإسلام وللتنوّر بنور الإيمان ، وأما الذين ، لفرط العناد والجحد والاستكبار ، ليسوا بحاضرين لأن يتفكّروا في الآيات الهادية والبراهين الساطعة الواضحة فهم في بادية الخذلان وتيه الضلالة باقون ولا يهتدون.
٥٧ ـ (وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ ...) أي نستلب (مِنْ أَرْضِنا) يعني مكة والحرم. وقيل إنما قاله الحرث بن نوفل بن عبد مناف فإنه قال للنبيّ صلىاللهعليهوآله : إنا لنعلم أن قولك حق ، ولكن يمنعنا أن نتبع الهدى معك ونؤمن بك مخافة أن يتخطّفنا العرب من أرضنا ولا طاقة لنا بالعرب ، فقال سبحانه ردّا عليهم هذا القول : (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً) أي أولم نجعل مكانهم حرما ذا أمن بحرمة البيت (يُجْبى إِلَيْهِ) أي يحمل إليه ويجمع فيه (ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ) من كلّ أوب ومكان (رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا) فإذا كان هذا حالهم وهم عبدة الأصنام والمشركون فكيف نتخلّى عنهم ونعرّضهم للخوف وللخطف إذا كانوا موحّدين؟ (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) فهم جهلة جحدة لا يتفطّنون ولا يتفكّرون.
* * *
(وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ (٥٨) وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ