عليه وآله أنّه لمّا نزلت هذه الآية قال : لا بد من فتنة تبتلى بها الأمّة بعد نبيّها ليتعيّن الصادق من الكاذب ، لأن الوحي قد انقطع وبقي السيف وافتراق الكلمة إلى يوم القيامة.
٣ ـ (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ...) أي اختبرناهم ، فهي سنّة جارية قديمة في الأمم كلّها ولا تختص بأمّة دون أمّة (فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ) أي ليميّزنّ الله الذين صدّقوا من الذين كذّبوا بالجزاء والمكافأة. والتعبير عن التمييز والجزاء بالعلم من باب إقامة السبب مقام مسبّبه ، حيث إن علمه تعالى بصدق طائفة في قولهم آمنّا ، وكذب أخرى ، صار سببا للتميّز في الجزاء والمكافأة ومن هذا الباب قوله تعالى في سورة الزمر (كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ) فإن أكله سبب لقضاء الحاجة فكنّى بذكره عنها. وفي المجمع عن أمير المؤمنين والصادق عليهماالسلام أنهما قرءا بضمّ الياء وكسر اللّام فيهما من الاعلام ، أي : ليعرّفنهم الناس. ولعل التعبير بالماضي في صدقوا وبالفاعل في الكاذبين ، لأن اسم الفاعل يدلّ على الثبوت والاستمرار ، والفعل لا يدل عليهما حيث إنه لا يفهم من معنى الفعل التكرار ، مثلا يقال : فلان شرب الخمر ، وفلان شارب الخمر. فالفرق بين الصيغتين واضح. ولما كانت الآية وقت نزولها حكاية عن قوم قريبي العهد في الإسلام وعن جماعة مستديمة الكفر وبعيدة العهد به مستمرين عليه فلذا إنه تعالى عبّر عن الطائفة الأولى بالفعل الماضي وعن الثانية بالفاعل والله أعلم بقوله الشريف.
٤ ـ (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) هذا استفهام منقطع عمّا قبله وليست التي هي معادلة الهمزة. والمعنى : بل أحسب الذين يفعلون الكفر والقبائح (أَنْ يَسْبِقُونا) أن يفوتونا فوت السابق لغيره نحو ما في المخلوقين فلا نقدر على أخذهم والانتقام منهم وأن نجازيهم على مساويهم ، أو أن لا نستطيع إدراكهم ومعاقبتهم (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) أي بئس حكمهم هذا بأنهم يعجزوننا فلا نقدر عليهم يجب أن لا يتخيّلوا هذا فليس الإمهال يفضي إلى