أمهلتهم إلى أن صرمت آجالهم المقدّرة (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) أي إنكاري عليهم بالانتقام منهم في الدنيا والآخرة. أما في الدنيا فبتغيير النعمة محنة ونقمة والحياة هلاكا والعمارة خرابا ، وأما في الآخرة فمصيرهم إلى النّار وبئس المصير. ثم انه تعالى أخذ في بيان كيفية هلاكهم وعقوباتهم بقوله عزوجل :
٤٥ ـ (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها ...) اي ساقطة حيطانها على سقوفها بعد وقوعها أوّلا على وجه الأرض مأخوذ من خوى النجم إذا سقط ، وعرش البيت هو سقفه (وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ) أي متروكة بموت أهلها وفي تفسير أهل البيت في قوله : وبئر معطّلة أي : وكم من عالم لا يرجع إليه ولا ينتفع بعلمه. وعن الكاظم عليهالسلام : البئر المعطّلة الإمام الصّامت (وَقَصْرٍ مَشِيدٍ) الامام الناطق. وإنما كنّى عن الإمام الصّامت بالبئر لأنه منبع العلم الذي هو سبب حياة الأرواح مع خفائه إلّا على من أتاه ، كما أن البئر منبع الماء الذي هو سبب حياة الأبدان مع خفائها إلّا على من أتاها ، وكنّى عن صمته بالتعطيل لعدم الانتفاع بعلمه ، وكنّى عن الإمام الناطق بقصر مشيد لظهوره وعلوّ منصبه وإشادة ذكره ، ورفيع منصبه.
٤٦ ـ (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ؟ ...) هذه حثّ لهم على أن يسافروا ليروا مصارع المهلكين فيعتبروا. وفي الخصال عن الصّادق عليهالسلام معناه : أولم ينظروا في القرآن (فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها) أي ما يجب ان يعقل (أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها) أي ما يجب أن يسمع (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) الضمير في قوله فإنها مبهم يفسره الأبصار ، وتقدير الكلام ان الأبصار لا تعمى لأنه ليس في مشاعرهم خلل ولا عيب ، ولكن تعمى القلوب عن مشاهدة العبر وقوله : التي في الصّدور ، للمبالغة والتأكيد كقوله : يطير بجناحيه ، ويقولون بأفواههم ولنفي التجوز في القلب حيث إنها تستعمل مجازا في بعض المعاني كما يقال قلب النّخل وقلب الشتاء وقلب الأسد أي شهر الأسد ، فإن المراد