٢٤ ـ (فَما كانَ جَوابَ ... إِلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ ...) هذا قول بعضهم. وقال آخرون : (أَوْ حَرِّقُوهُ) ونسبة كلّ واحد من الفعلين إلى جميعهم باعتبار رضاء الباقين حين قال البعض ، فكأنّ جميعهم قالوا بمقالة البعض. والحاصل أنهم بعد الاختلاف اتّفقوا على التحريق ولعلّ ترجيح التحريق لميل حكومة الوقت لذلك حقدا عليه ، حيث إن القتل ربما كان يخفى على أهل بعض البلدان بخلاف التحريق بتلك الكيفية المشهورة فيكون إعلانا عالميّا بأن كلّ من عمل إبراهيم وخالف فهذا جزاؤه ، فاشتهر الأمر في جميع البلدان بحيث كان المخالفون لطريقتهم الدينيّة قد عرفوا تكليفهم فاحتاطوا ليأمنوا من مخالفته وبأسه بعد ذلك.
ولكنّ الله تعالى قدّر خلاف تدبيرهم فصار الأمر طبق التقدير إرغاما لهم فأنتج تدبيرهم خلاف ما أمّلوا وراموا إذ (فَأَنْجاهُ اللهُ مِنَ النَّارِ) بعد ما رموه فيها بأن جعلها عليه بردا وسلاما (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي في إنجائه (لَآياتٍ) منها منعه من حرّها ، وسرعة إخمادها مع عظمها ، وجعله مكانها روضا ، وعدم تضرّره بالرّمي مع بعد المرمى عن المرميّ إليه وهي النار (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) والاختصاص بالمؤمنين فقط لأنهم أهل التفكّر والتدبّر وأصحاب الاعتبار.
٢٥ ـ (وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ ... مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ ...) ثم إن إبراهيم عليهالسلام بعد نجاته من النار قال لقومه : إنما اتخذتم الأوثان آلهة لتكونوا أهل دين واحدة وملّة واحدة فتتوادّون بينكم وتتواصلون فتكونون متّحدين في قبال أصحاب الحق ومذهب الصواب إذ ان الاتفاق على مذهب يكون سببا للمودّة بين المتفقين.
وهذه المودّة بينكم تبقى إلى حين الوفاة ، وبعدها تصير المودة عكس ما في الدّنيا كما حكاه الله تعالى بقوله (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ) والباء إمّا زائدة إذا كان المراد بالكفر كفر جحود ، وإمّا بمعنى (من) إذا كان المراد به كفر براءة ، أي يتبرّأ بعضكم من بعض؟ وفي الكافي عن