يضرط بعضهم على بعض. والحاصل لما رأى أن القوم لا يتناهون عن منكرهم بحيث يبقى ابتداع تلك الفاحشة في من بعدهم من أولادهم وذراريهم فإنّهم على دين آبائهم كما قال الجهلاء من أهل مكة : إنا وجدنا آباءنا على أمّة وإنا على آثارهم مقتدون. وهذا أمر طبيعيّ في البشر بل في مطلق الحيوان ، فكلّ على مسلكه الطّبيعيّ وعلى ديدن آبائه وأمّهاته يتعلم منهم ما يفعلون ، ولذلك نرى أن تربيتهم وتعليمهم لبعض التكاليف سواء كانت دينيّة أو غير دينيّة أمر صعب تركه كما نشاهد في البشر الذي هو أشرف الموجودات ، لا يخضع لتلك التكاليف الإلهية بل حتى يقتل الذي يقول بما هو خلاف طبعه ولو كان من الأنبياء والرّسل. وبالجملة هذا أمر واضح لا يحتاج في إثباته إلى برهان عند من يرجع إلى وجدانه. ولذا فإن لوطا لمّا آيس منهم أن يؤمنوا به وبما جاءهم به ، دعا عليهم فاستجاب الله دعاءه.
٣٠ ـ (قالَ رَبِّ انْصُرْنِي ...) أي أعنّي (عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ) بقبائح أعمالهم وسنّها في الناس.
* * *
(وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ (٣١) قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٣٢))
٣١ ـ (وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ ...) أي حين جاءته الملائكة لإنزال العذاب بقوم لوط (قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ) قرية (سدوم) التي كانت بين القدس والكرك قرب جبال لبنان ، والتي كان يسكنها لوط وبعث إليها لهداية أهلها. وإنّما قالوا (هذِهِ) باسم الإشارة إلى القريب لأن