بالقلب في هذه الموارد هو وسطها لا معناه الحقيقي. والحاصل فإن إدراك الأمور النظرية والمعاني هو وظيفة القلب ومشاهداتها به ولكن إذا اتّبعت قلوبهم الهوى وانهمكت في التقليد فلا تدرك شيئا ولا تعقل ما يجب أن تعقله. فنسبة العمى إلى القلب حقيقة وليس بمجاز في شيء. وعن السجاد عليهالسلام أن للعبد أربع أعين عينين يبصر بهما أمر دينه ودنياه وعينين يبصر بهما أمر آخرته ، فإذا أراد الله بعبد خيرا فتح له العينين اللتين في قلبه فأبصر بهما الغيب وأمر آخرته ، وإذا أراد الله به غير ذلك ترك القلب بما فيه.
٤٧ ـ (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ ...) الموعود به ، ولا يخفى أن استعجالهم كان استهزاء برسول الله صلىاللهعليهوآله ، فإنهم لا يعتقدون برسالته ولا يعتقدون بقوله فكيف يحمل الاستعجال على حقيقته وهو فرع العقيدة ، ومعها لا يتصوّر إلّا من المجنون أو من في حكمه (وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ) واو حاليّة ، أي هؤلاء المشركون يستهزئون باستعجال العذاب والحال أنه تعالى يمتنع أن يخلف في وعده وإنجازه ، ووعده تعالى بإنزال العذاب كان يوم بدر حيث إنهم في ذلك اليوم فرّق جمعهم وشتّت شملهم وقتلوا من أولهم إلى آخرهم إلّا القليل منهم بين أسر وفكّ بضرب الجزية مع منّة عليهم. هذا بالإضافة إلى عذابهم الدنيويّ مضافا إلى فتح مكة وخذلانهم في ذلك اليوم المبارك الذي استعبدهم النبيّ صلوات الله عليه وآله ثم أطلقهم بقوله : أنتم الطّلقاء ، وهذا غاية الذل ونهاية الخذلان وأمّا الوعد بالنسبة إلى عذابهم في الاخرى فهذا ما أشار اليه تعالى بقوله : (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ) أي يوما من أيام العذاب في الآخرة (كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) ممّا تحسبون في الدنيا.
٤٨ ـ (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها ...) أي كم من قرية ، يعني وهذه الحال كحال أي قرية أمهلتها كما أمهلتهم الآن (وَهِيَ ظالِمَةٌ) مثلكم أيها الكفار من قريش وغيرها (ثُمَّ أَخَذْتُها) بالعذاب والاستئصال