يمكنه أن يصرف جميع أوقاته في أمور معاده بل هو محتاج إلى صرف مقدار منها في معاشه من تحصيل المأكول والمشروب والملبس والمسكن وغير ذلك ممّا يحتاج إليه البشر الذي هو مدنيّ الطّبع ، واحتياجه أكثر من الحيوانات الأخر فأشار الله إلى أوقات إذا أتى العبد بتسبيح الله تعالى فيها أدرك الأول والآخر والأوسط ، فكأنه لم يفتر في أوقاته كلّها ليلا ونهارا وكان ملازما للتسبيح والذكر على الدّوام كالملائكة الذين لا يفترون. ويظهر ممّا ذكرنا علة أخرى لاختياره تعالى هذه الأوقات مضافا إلى شرافتها وعظمها اللتين ذكرناهما ، أن في تلك الأوقات تظهر قدرته وتتجدّد فيها نعمته. وقيل إن الآيتين جامعتان للصّلوات الخمس : تمسون : صلاة المغرب والعشاء ، وتصبحون : صلاة الفجر ، وعشيّا : صلاة العصر ، وتظهرون : صلاة الظهر. ولا يخفى ما في تقديم وقت صلاة العصر على الظّهر فتأمّل.
١٩ ـ (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ...) في القمّي : يخرج المؤمن من الكافر ، وكالإنسان من النّطفة ، والدجاجة من البيضة (وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ) الكافر من المؤمن ، والنطفة من الإنسان ، والبيضة من الطائر ، و (يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) يحييها بالنّبات بعد موتها باليبس (وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ) أي مثل هذا الإخراج تخرجون من قبوركم فلم تنكرون الحشر والنشر يوم القيامة؟ وفي الكافي عن الكاظم عليهالسلام في قوله : (يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) ، قال : ليس يحييها بالقطر ، ولكن يبعث الله رجالا فيحييون العدل ، فتحيا الأرض لإحياء العدل ، ولإقامة الحدّ فيه أنفع في الأرض من القطر أربعين صباحا. ثم إنه سبحانه تنبيها للعبيد على دلائل قدرته وبراهين توحيده يقول معدّدا لتلك الدلائل :
* * *
(وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (٢٠) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ