فإنه يحصل التآلف بعد نعمة الزواج بمجرد حدوثه. والحاصل أن حصول التحابّ والتآلف بين الزوجين من غير معرفة ورحم بينهما أمر عجيب ، حيث يصير بينهما توادّ وتراحم لا نجدهما بين أيّ شخص وشخص آخر حتى بين الوالد والولد والأمّ الشفيقة وبنتها بهذه الكيفية المستمرة الدائمة. فهذه آية غريبة وهي أدلّ آية على القادر الحكيم والصانع العليم وإن قيل إن هذه المودّة تولّدت من ناحية الشهوة وهي تزول بزوالها ، فنقول : أوّلا هذه الشهوة من أين جاءت لولا أنّها وديعة أودعها الله سبحانه في أصلاب الرجال وأرحام النّساء بهذه الكيفية التي أفضت إلى المودّة والرحمة بينهما. فمن يقدر أن يخلق تلك الشهوة غيره تعالى؟ هذا ، وثانيا إنّا نرى أنّ الزوجة قد تخرج من محلّ الشهورة ومورد اللذّة بكبر أو مرض ، ثم يبقى قيام الزوج بها ناشئا عن الحب لها والرحمة بها ، وبالعكس. وليس ذلك إلّا بجعله سبحانه وإيداعهما المودّة المتبادلة. وهذا لا يتنافى مع ما يحدث من الشقاق بين الطبقة الدنيا وذوي النفوس الوضيعة مما ينشأ من ضعف في الأخلاق ونقص في التربية. الآية تشير إلى أن الواجب أن تسود بين الأزواج المودّة والحنان والرحمة والإحسان كيف لا وهم شركاء البأساء والنعماء والضراء والسراء؟ (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) أي جعل الأزواج بهذه الكيفيّة المطبوعة آيات وشواهد لأهل التدبّر والتفكّر فيعلمون ما في ذلك من المصالح والحكم.
٢٢ ـ (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ ...) لمّا بينّ سبحانه الدلائل الأنفسيّة ذكر سبحانه وتعالى البراهين والشواهد الآفاقيّة ، وأظهرها خلق السّماوات والأرض وما فيهما من عجائب الصّنع وبدائع الخلقة نحو ما في السّماوات من الشمس والقمر وسائر الأنجم وجريانها في مجاريها المعيّنة على تناسق وتناظم خاصّ بكل واحد منها ، ونحو ما في الأرض من أنواع الجماد والنبات والحيوان على اختلافها جنسا ونوعا وصنفا مع ما فيها من إحكامها وإتقانها ومع اختلاف ألوانها وطعمها ورائحتها وخواصّها وآثارها