هل تخافون من عبيدكم أن يشاركوكم في أموالكم كما تخافون من أحراركم وذوي قرابتكم في المال الذي يكون بينكم بالمشاركة وتخشون أن ينفردوا به؟ والاستفهام في الآية الكريمة من الظاهر والمقدّر للإنكار. قرابتكم في المال الذي يكون بينكم بالمشاركة فإذا لا تخافون من العبيد ولا ترضون بذلك فكيف ترضون بأن تشركوا بالله مماليكه في الألوهيّة؟ وكما أنّكم لا تشركون عبيدكم في أموالكم فلا بدّ من أن لا تشاركوا بالله الخالق القادر شركاء في العبادة (كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ) أي كما فصّلناه وبيّنا لكم مسألة عدم جواز التشريك ، نفصّل الآيات والأدلة (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) أي نبيّنها لأهل التدبّر والتعقّل ، وأمّا الجهلاء والظّلمة فهم بعداء عمّا قلناه من الآيات والأمثلة بل هم تابعون لأهوائهم وآرائهم السخيفة الباطلة بلا علم وبلا تعقل.
٢٩ ـ (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ...) بل حرف عطف وإضراب عمّا قبله يجعله في حكم المسكوت عنه. وحاصل الآية الشّريفة أنّه تعالى لعلّ يريد أن يقول : إنّنا نذكر الآيات ونبينّ الأمثلة للقوم المتدبّرين وأهل العلم والعقلاء ، وأمّا الجهلاء وأهل الأهواء الفاسدة فهم بعداء عن تلك الناحية كما أشار تعالى إلى ذلك بقوله : (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي جاهلين لا يكفيهم شيء ، فإن العالم إذا اتّبع هواه ردعه علمه (فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ) أي من يقدر على هدايته بعد ذلك (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) أي من ينجيهم من الضّلالة وحيرة الجهالة.
* * *
(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ