لا يَعْلَمُونَ (٣٠) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٣٢))
٣٠ ـ (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً ...) أي أقبل بقصدك أو بالعمل الخالص على دين الله الذي هو دين الإسلام بالاهتمام به (حَنِيفاً) أي مسلما ، أو المراد : أقبل بقلبك على ربّك لأجل دينك ، فإن ما يحرّك الإنسان للتوجه إلى ربّه هو دينه حيث إنّ غير المتدين لا شغل له مع الله. والتّعبير عن القلب بالوجه لأن القلب إذا توجّه إلى شيء تتبعه الجوارح وفي مقدّمها الوجه كما أنّه تتبعه القوى الباطنيّة أيضا. فإن القلب في عالم البدن الذي هو عالم صغير ، له السّلطان والسّيطرة ، كما أن في العالم الكبير ملكا له الأمر والملك على جميع أهله ، وإذا توجّه إلى ناحية أو أمر بشيء يطيعونه فكذلك القلب بالنسبة إلى القوى والجوارح. والحاصل أن الوجه يمكن أن يكون كناية عن القلب ، فالله تعالى خاطب نبيّه صلىاللهعليهوآله بالتوجّه إليه بكلّ وجوده لأمر دينه مع جميع أمّته ، أو المراد أمّته. والنكنة في توجّه الخطاب إليه صلوات الله عليه إمّا تعظيمه وتفخيمه ، وإما لأن الأمر له به هو الأمر به للأمة فإنّه المبعوث بكل ما أمر به إليهم ، فالأمر به موجب لأمره للأمّة ... وحنيفا لغة : أي مائلا إليه ثابتا عليه (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) هذا يحتمل أن يكون بيانا للدّين الحنيف ، أي الزموا دين الله ، ودين الله هو الدين الذي شرّعه وأرسل رسوله به وهو دين الإسلام الذي يولد كلّ مولود عليه ويعبّر عنه بدين الفطرة ، لأن كلّ مولود يخلق عليه. وقيل معناه : اتّبع من الدّين ما دلّتك عليه فطرة الله وهي التوحيد. فإنّ الله خلق النّاس عليه حيث أخذ منهم العهد في ظهر آدم من الذّراري في عالم الذّر وسألهم : ألست بربّكم؟ فقالوا : بلى. وهذا البيان