قريب لما قلناه ، فإن التوحيد إمّا هو نفس الدّين أو من أصول الدين ، فإنّ غير الموحّد ليس بمتديّن (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) أي لا ينبغي أن تغيّر تلك الفطرة ولا يقدر أحد أن يغيّر (ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) المستقيم المستوي الذي لا عوج فيه (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) فهم جهلة وغير متدبّرين ولذا لا يعرفونه حقّ المعرفة ولا يهتمّون بذلك الدّين القويم أيّ اهتمام.
٣١ ـ (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ ...) منيبين حال من ضمير (أقم) باعتبار أن الأمة تدخل في مخاطبة النبيّ صلىاللهعليهوآله إن لم نقل بأنهم المخاطبون كما قلناه. وما نحن فيه من قبيل ـ (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) ، الآية ... والمعنى : فأقيموا وجوهكم منيبين إليه ، أي راجعين إليه مرة بعد أخرى. ويمكن أن يكون من (ناب) إذا انقطع ، أي منقطعين إليه عن كلّ ما سواه ، ويحتمل أن يكون حالا من ناصب فطرة الله ، أي الزموا واستمرّوا على فطرة الله منيبين إليه (واتّقوه) تجنّبوا من عصيانه ومخالفته في أوامره سبحانه ونواهيه ولا تكونوا من المشركين به في الألوهية والعبادة.
٣٢ ـ (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ ...) بيان لما قبله من قوله من المشركين. وتفريق دينهم هو اختلافهم فيما يعبدونه على اختلاف أهوائهم (وَكانُوا شِيَعاً) أي فرقا مختلفة كلّ منها تشايع إماما أضلّها عن دينه الذي ارتضى له خالقه ومعبوده الفطريّ الحقيقي (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) فأهل كلّ ملّة بما عندهم من الدّين مسرورون راضون به حيث إنّهم يظنّون أنّهم على الحق ، وغيرهم على الباطل.
* * *
(وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٣٣) لِيَكْفُرُوا