بين الحق والباطل ، أي بين ما جاء به النبيّ من عند ربّ العالمين ، وما هو من عند الشيطان الرجيم ، فظلموا أنفسهم (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) لفي خلاف بعيد عن الحقّ والحقيقة ، أو عن الرسول وبيعته ، لفرط عنادهم وكثرة جحودهم.
والوجه الآخر في تمكين الشيطان من الإلقاء هو :
٥٤ ـ (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ ...) أي ليعرف ويعتقد الذين منحوا العلم والمعرفة بتوحيد الله وبمنهج الحق وطريق الصواب ، أن هذا الذي يجيء من عند الله هو الحق (مِنْ رَبِّكَ) يا محمد ، لا من الشيطان ، إذ وفّقهم الله أن يميزوا بين الحق والباطل (فَيُؤْمِنُوا بِهِ) يصدّقوه ويعتقدوه (فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ) تخشع وتلين وتطمئن له ، أي للقرآن أو له تعالى (وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) وبالتأكيد انه سبحانه هو الذي يهدي المؤمنين به إلى طريق الحق الذي لا عوج فيه.
٥٥ (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ ...) أي مع هذا البيان كلّه وهذه الدلائل كلّها بقي الكافرون في مرية : شكّ من القرآن. وقيل في شكّ من الإمام الذي هو هنا أمير المؤمنين عليهالسلام على ما هو المرويّ عن القمى. فما يزالون في ريب منه (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ) إلى أن يجيء يوم القيامة وساعة البعث (أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ) أو يجيئهم عذاب يوم القيامة الذي يسمّى عقيما لأنه لا يوم بعده.
* * *
(الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٥٦) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٥٧) وَالَّذِينَ هاجَرُوا