فقدها المذكورات بفقد الغيث (إِنَّ ذلِكَ) أي في أثر المطر من النبات والخصب (لَمُحْيِ الْمَوْتى) يعني الذي يقدر على إحياء الأرض بعد موتها هو قادر على إحياء البشر بعد إفنائهم بالموت. وإنّما عبّر بقوله (لَمُحْيِ الْمَوْتى) باللام المؤكّدة وباسم الفاعل لأن الإنسان إذا قال إن الملك يعطيك لا يفيد ما يستفاد من قوله إنه لمعطيك ، لأن ما يفيد اسم الفاعل أنه متصف بالعطاء حين ما يقول القائل (معطيك) بخلاف قوله (يعطيك فإن المستفاد منه أنه سيتّصف به لأنه في حال الحاضر مباشر بالفعل أو كأنه مباشر من حيث العلم بتحقّق الفعل فيما يأتي من الزّمان ، كما في قوله إنّك ميّت الذي هو آكد من قوله : إنّك تموت ، والغرض تحقّق وقوع الإحياء بعد الإماتة بلا ريب.
٥١ ـ (وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً ...) أي الدّبور الذي هو للعذاب ، وإذا هبّ على النبات أو الزرع كان ضارّا لأن الدّبور إما باردة غاية البرودة وإما حارة حرارة شديدة ، وتسمّى بالسّموم ، وفي كلتا الحالتين تضرّ بالنباتات وجميع الخضرويات حتى الأشجار الناعمة اللّطيفة فيفسدها جميعا في نفخة واحدة ، ولذا فرّع سبحانه على إرساله وهبوبه قوله (فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا) أي يرون النبات والزرع اللّذين كانا من آثار رحمة الله أنه عرض لهما الاصفرار بعد الخضرة وهو علامة يبسهما وفسادهما. ويحتمل أن يكون مرجع الضّمير هو السّحاب الذي ذكر قبل هذه الآية فإن السّحاب إذا اصفّر لم يمطر ، والنتيجة هي النتيجة ، أي الفساد (لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ) أي لصاروا من بعد أن رأوه مصفّرا كافرين جاحدين لأنعم الله وهذا جواب سدّ مسدّ الجزاء. والحاصل أن الله تعالى ذمّهم بأنّهم إذا حبس عنهم المطر قنطوا ولم يستغفروا ، وإذا أمطروا فرحوا ولم يشكروا لعدم تدبّرهم وتفكّرهم في آياته ولسوء آرائهم ، فإن النظر السّويّ يحكم بأن يتوكّلوا على الله ويلتجئوا إليه بالاستغفار عند الاضطرار ، وأن يبادروا إلى الشكر عند النعمة وأن لا يفرطوا في الاستبشار .. ثم إن الرسول صلىاللهعليهوآله بعد أن أتمّ الحجة عليهم بأنواع الأدلة وأصناف الأمثلة ووعدهم وأوعد ولم يزدهم