الأعضاء على سبيل الاتّفاق ، لكنها حركات تقلصية غير اختيارية مثل أنّه حينما يبكى بشدّة تتحرّك رجله أو يده بواسطة الاعتصار الذي يرد على الأعضاء فيحرّكها بلا اختيار ولا إرادة. والحاصل أن المولود في ابتداء إيجاده أضعف مواليد نوع الحيوانات وهو مثال الضعف كما أشرنا آنفا. أو المراد أنّه تعالى أوجده من أصل ضعيف وهي النّطفة لقوله تعالى : (مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) أي ضعيف ، فكأن الضعف صار أمرا ذاتيّا للإنسان. ثم ذكر مرتبة أخرى من مراتب ترقية الإنسان بقوله (ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً) حينما يصير الإنسان شابا ذا قوة وقدرة أو حين ولوج الروح بالبدن (ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً) فبعد ما يخلص تطوّر خلقه ويتمّ قوس الصّعود يجيء قوس النزول وهو الضعف والشّيب بعد القوة والشباب (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) من الضّعف والقوة والشّيب والشّيبة (وَهُوَ الْعَلِيمُ) اي العالم بأحوال عباده ومصالحهم (الْقَدِيرُ) القادر على تغيير صفات العباد وهيآتهم من هيئة إلى هيئة ومن حالة إلى حالة على وجه تقتضيه الحكمة ويكون فيه المصلحة ، وذلك أدلّ شاهد على وجود الصّانع العالم القادر يفعل بعباده ما يشاء كيف يشاء.
٥٥ ـ (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ ...) أي القيامة ، ولعلّ الألف واللام للعهد ، أي آخر ساعة من أيّام الدّنيا أو أوّل ساعة من أيّام القيامة ، وهي من الأسماء الغالبة (يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا) أي يحلفون أنهم ما بقوا في القبور أو في الدّنيا أو في ما بين فنائها والبعث وهو زمان انقطاع عذابهم (غَيْرَ ساعَةٍ) فيستقصرون مدّة لبثهم بالنسبة إلى مدة عذاب الآخرة ، أو ينسونها ، أو لمّا كانوا في الدّنيا متنعّمين في طيب العيش رأوا أنّ بقاء الدنيا من الأيام والشهور كان قليلا في عينهم وبنظرهم وسهلا حيث إنّ الدنيا جنّة الكافر وسجن المؤمن ولذا استقلّوها (كَذلِكَ) أي مثل صرفهم وحلفهم وقولهم كذبا في الآخرة (كانُوا يُؤْفَكُونَ) يصرفون عن الصّدق ويعدلون عن قول الحق.
٥٦ و ٥٧ ـ (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ ...) إنّ الله تعالى أخير