مراتب العذاب تكون النقمة من الكافرين ، في حين أن المؤمنين يكونون في الجنّة (خالِدِينَ فِيها وَعْدَ اللهِ حَقًّا) أي وعدهم وعدا حقّا لا خلف فيه ولا تبديل (وَهُوَ الْعَزِيزُ) الذي لا يغلبه شيء فيمنعه عن إنجازه وعده ووعيده في انتقامه من المشركين (الْحَكِيمُ) الذي يفعل طبق ما تقتضيه حكمته. ثم إنه تعالى بعد ذكر الوعد والوعيد بيّن أفعاله المحكمة المتقنة الدالة على التّوحيد والقدرة العظيمة بقوله :
١٠ ـ (خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ...) إذ لو كان لها عمد لرأيتموها حيث إنّها لو كانت فرضا لكانت من أجسام عظام بحيث تتحمّل ثقل السّماوات ، ولو كان كذلك لاحتاجت إلى عمد أخرى وهكذا حتى تكون كل واحدة منها معمودا لعمد أخرى وذلك موجب للتسلسل فإذا لا عمد لها ، هذا بناء على كون قوله (تَرَوْنَها) جملة مستأنفة ويحتمل كونها صفة لعمد أي بغير عمد مرئيّة ، يعني عمدها غير مرئيّة ومشاهدة لكم ، فإنّها لها عمد ممسكة لها وهي عبارة عن قدرته الكاملة وكلمته التامّة التي خلق الكون بها مع جميع كيفيّاته وكميّاته. ولعلّه يشير إلى هذا ما نقل عن الرّضا عليهالسلام : ثم عمد ولكن لا ترونها. ومن مظاهر قدرته قوله (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ) أي وضع وخلق عليها جبالا شوامخ ثوابت لعدم اضطراب الأرض ولاستقرارها كما يشير إلى تلك الفائدة المهمّة والنعمة المجهولة على أكثر البشر بقوله تعالى : (أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) لأنه تعالى كره أن تتحرّك وتضطرب بنا فإنّها لو توضع ولم تجعل عليها الجبال لزالت الأرض عن موضعها ولم تزل تتحرك بسبب المياه المتحرّكة والأرياح الجارية عليها. ومن النّعم التي منّ بها على العباد أن جعل الأرض صلبة ولو جعلها مثل الرمال لما كانت تصلح للزراعة وغرس الأشجار الكبيرة فإن الأراضي المرملة ينتقل الرمل الذي فيها من موضع إلى موضع ويموج كما تموج المياه ولا استقرار فيها أبدا (وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ) أي نشر وفرّق فيها من كل ما يتحرّك ويدبّ على وجه الأرض من أنواع الحيوان ، وأسكنها في