الأرض ثم أرسل عليها المطر فأنبت فيها (مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) أي من كلّ صنف كثير المنفعة. ثم أنّه تعالى استدل بهذه الأمور على عزّته فإنها تكشف عن كمال قدرته وتدل على حكمته البالغة ، ومهّد بذلك قاعدة التوحيد وقرّره بقوله :
١١ ـ (هذا خَلْقُ اللهِ ...) أي هذا مخلوقه وموجوده الذي تشاهدونه وتعاينونه بعين اليقين (فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) أي اين مخلوق شركاء الله ومصنوعهم. وما ذا خلقت آلهتكم التي تعبدونها؟ وبأيّ سبب صارت مستحقة للعبادة؟ فأروني وجه استحقاقها والاستفهام للتقريع ، يعني لم يخلقوا شيئا ما ، ولا يقدرون أن يخلقوا فلا يستحقّون الاعتناء بهم ، فكيف أن يعبدوا وجعلوا شركاء لخالق السماوات والأرضين وما فيهما وما بينهما فواها ثم واها لهؤلاء الذين قالوا بألوهية العجزة وأشركوا العاجز المطلق مع القادر المطلق والمصنوع الذي نحتوه بأيديهم مع خالق العوالم الإمكانية بأسرها ... (بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) هذا إضراب عن تبكيتهم إلى التسجيل عليهم بالضّلال بحيث لا يكون خافيا على أحد من العقلاء الناظرين قد وضع الظاهر مقام الضمير إيذانا بالعلّة ، ثم إنه تعالى لمّا ذكر أدلّة التوحيد والقدرة والحكمة عقّبها ببيان قصّة لقمان وإعطائه رشحة من رشحات حكمته العالية بتلك المناسبة فقال عزّ من قائل :
* * *
(وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (١٢) وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (١٣) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ