إهراق الدّماء ، وأشدّه وأعسره قطع الأيادي والرّؤوس ، وأيّ فرض أحرى وأجدر بالصّبر من هذين الفرضين؟ فالأولى والأنسب إرجاع الأمر بالصّبر إلى جنب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللّذين هما معرّضان للتعب والأذى نوعا إن لم نقل بكونهما ملازمان لهما ولا سيّما في هذه الأزمنة من عصر آخر الزمان كما يشاهد بالعيان فقول عليّ عليهالسلام هو الحق (إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) أي الصّبر على ما أصابك من عزائم الأمور التي عزمها الله ومقطوعاتها. فالمقام اقتضى تسمية المفعول بالمصدر فقال : عزم الأمور ، أي معزوماتها ومفروضاتها التي لا بدّ منها.
١٨ ـ (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ...) أي لا تمل بوجهك عن الناس نخوة وتكبّرا ، وأقبل بوجهك عليهم تواضعا وخشوعا (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) أن لا تمرح مرحا شديدا ، لا تسر بكبرياء وعجرفة وبإظهار نشاط وفرح واعتزاز بالنّفس (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) أي أنه تعالى يكره المتخايل في مشيه المتكبّر الفخور بنفسه الذي يمشي قليلا قليلا ليخدع الناس بأنه ذو شخصية قدسية أو مالية ، فلا ينبغي للإنسان العاقل أن يكون متّصفا بهذه الصفات ... ونلفت النظر إلى أن التصعير هو من الصّعر الذي هو علة تعرض للبعير فتسبّب له العوج في عنقه فيمشي وهو مائل الوجه عن وجهة سيره .. ثم قال سبحانه وتعالى على لسان لقمان :
١٩ ـ (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ ...) أي توسّط فيه بين السّرعة والبطء فإن السرعة تذهب ببهاء الرّجل والبطء علامة التبختر والتكبر وكذلك لا ينبغي للإنسان أن يمشي مصعرا خدّه أي مائلا برقبته إلى اليمين أو إلى اليسار بحيث يكشف عن عدم اعتنائه بالناس وكذا مختالا ينصب عنقه ويجعله عدلا بحيث لا يحركه إلى اليمين أو اليسار نخوة وتكبّرا فكلا الوصفين مذمومان عند الشارع لأنهما كاشفان عمّا هو مبغوض عند الشّارع ولذا نهى عنهما. (وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ) أي أقصر وإخفض صوتك فإن الرافع لصوته هو الحمار ، و (إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) أي أقبحها