عكس ذلك. وليس هذا الا بتقدير قادر حكيم يفعل ما يفعل لمصالح شتّى لا يعلم أكثرها إلّا هو. وهذه الآية وإن كانت ترى في بدء النظر أمرا سهلا لكنها أصعب وأشكل من أمر البعث جدّا ، بيان ذلك أنّه قد كرّر الإيلاج تنبيها على أمر مستغرب ، وهو حصول الزيادة والنّقصان معا في كلّ من اللّيل والنهار في آن واحد وذلك بحسب اختلاف الأمكنة وبقاع الأرض ، كالشماليّة عن خط الاستواء والجنوبيّة عنه سواء كانت مسكونة أو لا ، فإن صيف الشمال شتاء الجنوب وبالعكس ، فزيادة النهار ونقصانه واقع في وقت واحد لكن في بقعتين ، وقس على النهار زيادة اللّيل ونقصانه في زمان واحد وهذه النكتة من فوائد التكرار كما لا يخفى على المتفكّر ذي الاعتبار. وقيل يولج الليل في النهار ، معناه يدخله في النهار بأن يستره به ، ويولج النهار في الليل أي يستره به وقريب من هذا المعنى ما روي من أن رجلا سأل عن الإمام عليهالسلام : أين اللّيل في النهار؟ قال عليهالسلام : هو فيه ، وكذلك العكس. والحاصل أن تعقيب قضيّتي الخلق والبعث بمسألة إيلاج اللّيل في النهار وكذلك العكس ، لعلّ بمناسبة أن كلّ واحد من اللّيل والنهار في كلّ يوم وليلة لهما خلق وإفناء وبعث ، أو تقول : خلق وبعث في نظر الاعتبار. فهذا في نظر المنكر للبعث يكون أشكل لأن إنكاره له يكون مساوقا لإنكار البديهيّ فإن زوال الليل ومجيء النهار وكذلك العكس أمر محسوس وجدانا غير قابل للإنكار. القميّ يقول : ما ينقص من اللّيل يدخل في النهار ، وما ينقص من النهار يدخل في الليل (كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) أي كلّ واحد من الشمس والقمر يجري في فلكه جري الماء في مجراه إلى مدّة معيّة أو إلى منتهاه المعلوم بحيث لا يقصّران عنه ولا يجاوزانه وهو (خَبِيرٌ) عالم بكنه ذلك وبما تعملون.
٣٠ ـ (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ ...) إشارة إلى ما ذكر من سعة العلم وكمال القدرة وعجائب الصّنع واختصاصه تعالى بها ، فالله هو الحق الثابت ، وما يدعون (مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ) الزائل الفاني بسرعة و (هُوَ