غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (٣٤))
٣٣ ـ (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ...) أي تجنّبوا ما يسخطه واعملوا بأوامره ونواهيه (وَاخْشَوْا) خافوا (يَوْماً) هو يوم القيامة والحساب ، حيث (لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ) أي لا يؤدّي الوالد عن الولد شيئا ، ولا يتحمّل عنه تبعة ذنب مع كمال شفقته ورأفته به (وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً) والمولود لا يستفيد منه والده الرؤوف في ذلك اليوم شيئا. والحاصل أن كل واحد من الولد والوالد لا يقوم بأمر الآخر ولا يفيده لأن كلّ امرئ تهمّه نفسه ويشتغل بأمر نفسه ويقطع طمع كلّ ذي طمع ممّن يتوقّع منه ، ولا يغني أحد عن أحد ولا والد يغني عن ولده ولا العكس ، (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ...) وقد غيّر النظم بالرّجوع عن الجملة الفعلية إلى الاسميّة تأكيدا لعدم نفع المولود ، مع أن الابن من شأنه أن يكون جابرا عن والده لماله عليه من الحقوق (إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) أي وعده بالبعث والجزاء حقّ ثابت لا يتخلّف (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) أي لا يغرّنكم الإمهال الذي كانت الحياة كناية عنه ، ولا يلهينّكم الآمال والأموال عن الإسلام والإيمان ولا تغترّوا بطول السلامة وكثرة النعمة فإنّهما عمّا قريب إلى الزوال والفناء ، فلا يغشنّكم (بِاللهِ الْغَرُورُ) بالضم مصدر يطلق على الأباطيل ، وبالفتح ما يسبّب الانخداع ، والدنيا توصف به فيقال : الدّنيا الغرور ، والشيطان الغرور لأنّه يغرّ الإنسان بالمغفرة من الله في عمل المعصية. ونقل أن الحارث بن عمرو بن حارثة كان من أهل البادية فجاء إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله فقال : يا محمد أخبرني عن الساعة متى تظهر ، والزرع الذي زرعته متى يسقى بماء الغيث ، وامرأتي الحامل متى تضع من أين نعرف أن الحمل ذكر أم أنثى؟ وأدري ما ذا عملت أمس لكن أحبّ أن أدري بماذا أشتغل غدا ، وبأي طريقة أعرف مولدي ، وأحبّ أن أعرف مدفني بأيّ وجه أعرف؟ بأيّ