الذي وصف الله تعالى نفسه المقدّسة به بقوله : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ)(وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ) فالقمّيّ قال : هو آدم وقد مرّ تفسيره وأظنّه في سورة البقرة (ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ) أي ذرّيته من خلاصة وصفوة الطعام والشراب (مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) أي ماء ضعيف وهي النطفة التي هي في غاية الحقارة والمهانة ، وسمّيت سلالة لأنّها انسلّت من الصّلب أي انفصلت وخرجت منه. وقوله من ماء مهين عطف بيان على سلالة.
٩ ـ (ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ ...) أي قوّاه وأتمّ تصويره بأن جعله بشرا تامّ الخلقة غير أنّه ما كان فيه روح (وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ) والروح هو العنصر البسيط واللطيف القدسيّ الصادر عن عالم الرّبوبيّة والإضافة إليه تعالى تشريفيّة كإضافة البيت إليه وإظهارا بأنه خلق عجيب وأنّ له مناسبة ما إلى الحضرة الربوبيّة ولعله من أجل ذلك قيل : من عرف نفسه فقد عرف ربّه. والنّصارى يقولون إنّ عيسى روح الله فهو ابن الله ولكنّهم ما عرفوا بأن كلّ أحد روحه روح الله بقوله : ونفخ. فبهذا الاعتبار لا بد وأن يكون كل أحد روح الله وابنه فالاختصاص لماذا؟ وقد قالوا بما قالوا باعتبار روحه وجميع أعضائه روح الله فهذا افتراء وقول بالباطل ولا يصدر إلّا عن الجاهل (جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ) عدل إلى الخطاب تنبيها على جسامة نعم الجوارح ، يعني جعل هذه الجوارح أو القوى المودعة فيها لرفع حوائجكم ولتسمعوا مواعظ الله في كتبه المنزلة ومواعظ أنبيائه ورسله لتتّعظوا بها ولتبصروا آياته الآفاقية والأنفسيّة ولتستبصروا بها وتؤمنوا بالله ورسوله عن بصيرة لا عن تقليد (وَالْأَفْئِدَةَ) لتعقلوا وتتدبّروا المسموعات والمبصرات والمعقولات. وتقديم السّمع في الذكر لتقدّمه المعنوي ، فإن فاقد السّمع فاقد لجميع الحظوظ المعنويّة بل ولكثير من الأمور الظّاهريّة المحتاجة إلى التعريف والتعليم بخلاف فاقد البصر فإنّه قابل لأن يعرف ويعلم المعنويات ، فكيف بالأمور الظاهرية نعم تعريفه لبعض الأمور الظاهرة كالألوان والمحاسن والجمال ونحوها مشكل أو ممتنع على ما قيل ، ولا سيّما في الأعمى المتولّد من أمّه أعمى. هذا بالنسبة إلى تقدّمه على الإبصار ، وأما وجه