(وَطَمَعاً) في رحمته (يُنْفِقُونَ) في طريق الخير. ووجه المدح في هذه الآية أن هؤلاء المؤمنين منقطعون لاشتغالهم بالصّلاة والدّعاء عن طيب المضجع وسائر اللذائذ الدّنيوية لتوجّههم إليه تعالى بكامل وجودهم ، فآمالهم مصروفة إليه واتّكالهم في كلّ الأمور عليه. ثم ذكر سبحانه جزاءهم بقوله :
١٧ ـ (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ ...) أي لا يعلم أحد لا ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل ما أعدّ الله لهم ، وللمتهجّدين والمنفقين في سبيل الخير (مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) بيان لما أخفي. أي ممّا لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) من صلاة ليلهم وإنفاق أموالهم. وقيل في وجه إخفاء الجزاء على عملهم أنّ الشيء كلّما كان عظيم القدر وجليل الخطر فالوصول إلى كنه ذاته أصعب إلّا بشرح طويل ، فإبهامه أبلغ. وثانيا أن ما تقرّبه العين غير متناه ، فإحاطة العلم بتفاصيله غير ممكن للبشر.
* * *
(أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (١٨) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٩) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢٠) وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢١) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها