وإلّا فإنّهم كانوا غير معتقدين به تعالى ولا برسالته صلىاللهعليهوآله ، بل منكرين لكليهما غاية الإنكار. والمعنى : هل كذب على الله كذبا واخترع من عند نفسه متعمّدا حيث يزعم أنّا نبعث بعد الموت؟ وهذا استفهام تعجّب وإنكار منهم. والتّعبير بالافتراء عن الكذب لأنّه أخصّ من الكذب ، فإن الافتراء هو الكذب الخاصّ ، أي المخترع المتعمّد فيه (أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) أي جنون يخيّل له ذلك فيهذي به ويهجر؟ أي يتكلّم بما لا يعلم فيلقى على لسانه عبثا. وتقديم الظّرف للمبالغة والدّلالة على البعديّة. ثم ردّ عليهم سبحانه قولهم فقال ليس الأمر كما قالوا (بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) أي المنكرون للبعث والجزاء (فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ) وليس الأمر كما يقولون ، فما هو صلىاللهعليهوآله بكاذب ولا به جنّة ، ولا يقول ما يقول إلّا بالحق ، بل الذين كفروا هم الكاذبون والمفترون على نبيّنا حيث يسندون إليه الافتراء على الله والجنون مع أنّه منزّه عنهما ويسيرون الآخرة وأنّهم في العذاب ، فيصدّقون ثمة قول النبيّ ويعترفون بأنهم كانوا في الضلالة وفي البعد عن الحق والحقيقة في الدّنيا ثمّ ينبّههم بقوله إلى دليل يدلّهم على صدق قوله (ص) بثبوت البعث والجزاء وهو قوله تعالى :
٩ ـ (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ...) أي إلى ما أحاط بجوانبهم (مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) كيف أحاطت بهم ، أفلم ينظر هؤلاء الكفرة إليهما فيستدلّون بهما على كمال قدرة خالقهما ، فيعرفون أنّا قادرون على إهلاكهم كما أهلكنا القرون الأولى. ثم بيّن كيفيّة الإهلاك بقوله : (إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ) كما فعلنا بأقوام قبلهم وكما خسفنا بقارون وأمواله (أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ) أي قطعا منها فتغطّيهم فيهلكوا جميعا (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي فيما ترون من السّماء والأرض وإحاطتهما بهم ومن قدرة الخالق تعالى (لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) أي راجع إلى ربّه ويتدبّر في قدرته ويتفكّر في تدبيره وتنظيم عوالمه فيذعن إليه ويطمئنّ قلبه بوجود الصّانع تعالى وبرسوله وبما جاء به. ولمّا ذكر الله سبحانه المنيبين من عباده وصل إلى