يحمل تسبيح الطير على معنى إنطاق الله تعالى له ، ولا معنى لهذا الحمل في الطّير. ويروى عن الصّادق عليهالسلام أن الله تعالى أوحى إلى داود : نعم العبد لولا أنّك تأكل من بيت المال ، فبكى داود أربعين يوما وسأل من الله شغلا يكفى بمؤونته : فأجابه سبحانه وألان له الحديد مثل الشمع حتّى كان يتّخذ منه ما أحبّ على ما أشار إليه بقوله سبحانه : (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ ، أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ) هذا مقول لقوله : قلنا له كما في مقوله : يا جبال. ومحلّه النّصب ، وقيل إن التقدير : أمرناه. والمعنى أننا أمرناه بأن يعمل دروعا واسعة الأذيال وقلنا له (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) أي عدّل وسوّ بين الحلقات في نسجها بحيث تتناسب حلقاتها في الصّغر والكبر وفي اللّين والغلظ. وحكي أنّ لقمان حضر داود عند أوّل درع عملها فجعل يتفكّر فيها ، وكان لا يدري ما أراد داود عليهالسلام أن يصنع ، ولكن لم يسأله حتى فرغ داود منها ، ثم قام ولبسها وقال : نعم جنّة الحرب هذه. فقال لقمان عند ذلك : الصّمت حكمة وقليل فاعله (وَاعْمَلُوا صالِحاً) أي قلنا واعمل أنت وأهلك الصّالحات أي الطاعات فإنّها شكر لله تعالى على عظيم نعمه عليكم.
١٢ ـ (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ ...) القول متعلّق بمقدّر : أي سخّرنا له الرّيح ، وقرئ بالرّفع : الريح (غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ) أي جريها بالغداة مسيرة شهر وبالعشيّ كذلك. والقميّ قال : كانت الريح تحمل كرسيّ سليمان فتسير به بالغداة مسيرة شهر وبالعشيّ مسيرة شهر (وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) أي أجرينا ذلك له بعد ما أذبنا له معدن النّحاس. قال القمّي : الصّفر نبع نبوع الماء من الينبوع ولذلك سمّاه عينا. وقيل كان ذلك باليمن (وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ) أي سخّرنا له منهم من يشتغل له بحضرته وأمام عينه ما يأمرهم به من الأعمال (بِإِذْنِ رَبِّهِ) كان يعملون له الأعمال الشاقّة وما يكلّفهم به مثل نحت الأحجار الثقيلة وحملها من الجبال البعيدة لبناء الأبنية المشيّدة والقصور الرفيعة العالية كما يشاهد الآن رسمها والبقايا منها في بعض البلدان والقرى