ولا برد يؤذي في الشتاء ولمّا سمعوا هذا الكلام عن نبيّهم :
١٦ ـ (فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ ...) أي فلمّا أعرضوا عن الشكر وكفروا بأنعم الله أذاقهم الله النّقم والعذاب فقال سبحانه (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ) والسيل هو الماء الكثير السّائل الذي ينشأ من المطر الشديد في الجبال والصّحارى ، والعرم : جمع عرمة نحو كلم جمع كلمة وهو هاهنا الجرذ الصّحرائي ، أي الفأرة الكبيرة التي أمرها الله تعالى بنقب السدّ الذي صنعوه لمنع السيّول فلما نقبته الجرذان جاءهم السيل الذي خرب البيوت وقلع الأشجار والأبنية وأهلك جميع ما مرّ عليه ووقع فيه من الأوادم والحيوانات. وإضافة السّيل إلى العرم لأن الجرذان نقبت السّكر بكسر السين وسكون الكاف : السّد ، فخرب ، فجاءهم السّيل فهي السبب لمجيئه ، فمن باب إضافة المسبّب إلى سببه وقيل معان أخر للعرم فمن أراد التفصيل فليرجع إلى المفصّلات من التفاسير أو اللغات من الكتب. وقال القمّي إنّ بحرا كان في المين وكان سليمان أمر جنوده أن يجرّوا خليجا من البحر العذب إلى بلاد الهند ففعلوا ذلك والخليج نهر يقتطع من النهر الأعظم إلى موضع ينتفع به فيه. وهكذا عقدوا له عقدة عظيمة من الصّخر والكلس حتى يفيض على بلادهم وجعلوا للخليج مجاري فكانوا إذا أرادوا أن يرسلوا منه الماء أرسلوه بقدر ما يحتاجون إليه وكانت لهم جنّتان عن يمين وشمال على مسيرة عشرة أيام يمرّ فيها المارّ فلا تقع عليه الشمس من التفافها فلمّا عملوا بالمعاصي وعتوا عن أمر ربّهم ، ونهاهم الصّالحون فلم ينتهوا ، بعث الله تعالى على ذلك السدّ الجرذ وهي الفأرة الكبيرة فكانت تقلع الصخرة التي لا تستقلّها الرجال وترمي بها. فلما رأى ذلك قوم منهم هربوا وتركوا البلاد فما زال الجرذ يقلع الحجر حتى خرب السدّ فلم يشعروا حتى غشيهم السّيل وخربت بلادهم واقتلعت أشجارهم وهو قوله تعالى (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ) ، إلى قوله : (سَيْلَ الْعَرِمِ) وقيل : العرم العظيم الشديد وقيل الماء العظيم (وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ) أي عوض